النزهة
ومضات السعادة في حياتنا قد تكون كثيرة ولكن قلة منها تبقى معنا سنة بعد أخرى، مهما تقدمنا في العمر، طالما لم نصب بالألزهايمر. ومن اللحظات الجميلة في حياتي حضوري أول عرض لأول فيلم سينمائي ملون وسكوب في تاريخ الكويت، وكان ذلك في سينما الفردوس، في بداية الستينات! ويعود فضل حضوري لشجاعة، او تهور، صديقي أبو أحمد، الذي تبرع بثمن التذكرتين والدخول بين جموع المتجمهرين أمام شباك التذاكر، وليختفي لقرابة نصف ساعة ويعود بعدها بالتذكرتين، ولكن من دون غترة ولا نعال، وبجيب دشداشة ممزق وشعر اشعث! بدأ الانبهار مع اللحظات الأولى التي بدأ فيها العرض، وظهور أسماء الممثلين واسم الفيلم الذي لن أنساه، ولكن نسيت قصته، وكان اسمه «النزهة» أو picnic. كما لا ازال، وبعد اكثر من نصف قرن، أتذكر ذلك الشعور بالزهو والراحة بالجلوس على كرسي وثير ومرتفع، مقارنة بكراسي السينما الشرقية القديمة. كما لا أزال اتذكر اصوات الآهات من حولي كلما ظهرت بطلة الفيلم الفاتنة كيم نوفاك على الشاشة بشعرها الأحمر الخلاب وابتسامتها اللعوب. وهكذا قضينا ما يقارب الساعتين ونحن نتابع بنشوة مصحوبة بقلة معرفة بأحداث الفيلم البسيطة، وكأننا نشاهد ملحمة تاريخية! وكان لا بد ان ينتهي الحلم عندما قرأنا كلمتي the end، والتي لا أعرف إلى اليوم لم تكتب، فإضاءة أنوار صالة العرض كافية لفهم أن العرض قد انتهى.. فينيتو!
ويوم أمس أعادني الصديق هشام السلطان لعدة عقود إلى الوراء عندما أهداني «سي دي» فيلم «النزهة» فأعدت مشاهدته أكثر من مرة، وانا في قمة الاستمتاع، واسترجعت كل الذكريات القديمة والجميلة، وحلاوة الحياة الهنية والبسيطة، وكيف كان العالم يعيش في امان اختفى مع زيادة الكراهية والعنف في حياتنا وفي مدننا، بعد أن خربت الذمم وانتشر الإجرام، واصبح الشر هو السيد والسائد، والخير هو الاستثناء!
ولدت كيم نوفاك، واسمها الحقيقي marilyn pauline novak في فبراير 1933، اي أنها قد تجاوزت الآن الثمانين من عمرها المديد، ولا تزال صورتها في أذهان الملايين كما كانت في ذلك الفيلم وعشرات الأفلام الأخرى بعدها، كفيلم «الرجل ذو الذراع الذهبية»، وفيلم «منتصف الليل»، و«فيرتيجو»، و«قبلني ايها الغبي»، وغيرها من الأفلام الجميلة. وتعيش كيم الآن مع زوجها في مزرعة في ولاية أوريغون.
• • •
• ملاحظة: نعزي الشعب البريطاني، والأحرار من شعب الكويت برحيل البارونة مارغريت تاتشر، التي كان لها الفضل الأول في دفع الرئيس الأميركي جورج بوش، وحثه بإصرار على السعي، وبقية الحلفاء، على القيام بعملية تحرير الكويت من نير الاحتلال الصدامي! ولولا شجاعتها ومبادرتها لكنا اليوم، وفي أحسن الأحوال، جزءا من معدان الأهوار!