ابتزاز «الكويتية»
قليلا قليلا بدأت «الخطوط الكويتية» بالعودة لوعيها، واختفاء شحوب الإفلاس من وجنتيها، واحمرار خدودها من عافية ما ضخته الحكومة من أموال في شرايينها الجافة، بعد مرحلة «الغيبوبة الطويلة» التي دخلت بها وكادت أن تقضي عليها، إضافة إلى التغيير الجذري والإيجابي في إدارتها العليا، وهذا ما كان ليحدث لو لم «تكتشف» الحكومة أن ضررا بالغا سيصيب الدولة والاقتصاد وجزءا حيوياً من تاريخنا، ان انهارت الشركة، التي لم توجد علة لم تشك منها. كما كان ضروريا، بمقدار أهمية الدعم المادي والمعنوي نفسه، تسليم زمام ادارة الشركة ليد ليست خبيرة بأحوالها وملابسات تعثرها، بل وأمينة ويمكن الثقة بقراراتها! وبالتالي لم يكن غريبا ما قام به الكابتن سامي النصف، الرئيس الجديد لمجلس ادارة طيراننا الوطني من قرار غير مسبوق تمثل في إقدامه على محاربة الفساد الذي عشش لعقود داخل المؤسسة الوطنية، وكانت أولى بشائر «حروبه» ما كشفه لوسائل الإعلام من تعرّض الشركة للضغوط على يد النائب سعد البوص، وضغوطه عليها لكي تقوم بشراء وتأجير الطائرات عن طريق شركة يمتلكها وأبناؤه، وبفوارق مالية هائلة بين «عرضه» المبالغ في جودته، وبين ما حصلت عليه الشركة من عروض نتيجة الاتصال المباشر بالشركات المصنعة!
إن موقف هذا النائب وتصرفه، الذي ربما كشف نفسه أكثر برده على قرار النصف اللجوء للصحافة لكشف ملابسات ما ستتعرض له الشركة من خسائر بالملايين ان هي رضخت له، قد يكون دليلا قويا على ما تشكو منه أهم سلطات الدولة من خراب وفساد. فكيف يلجأ من أنيطت به مسؤولية التشريع وسن القوانين ومراقبة اداء الحكومة، لمثل هذه الأساليب في الإثراء، ويقدم عرض بيع، مهما كان جيدا ومجديا، لشركة تخضع لرقابته، ويريدنا فوق هذا أن نفترض حياديته وحسن نيته ونظافة يده؟!
إن بقية أعضاء مجلس الأمة مطالبون بمحاسبة «زميلهم» على تورّطه في مثل هذه الأعمال إن كانوا حقا يرغبون في رفع ما لحق ببيت الأمة من شوائب والتخلص منها، ووضع ضوابط تمنع عضو المجلس من التعامل مباشرة، أو حتى بصورة غير مباشرة، ان أمكن ذلك، مع جهات تخضع لرقابة النائب، فهذا سيحول المجلس الى ساحة تنفيع، ولا يعني ذلك أنه لم يكن كذلك طوال نصف قرن، على الأقل. كما أن اعتراف النائب البوص بأنه مساهم في 13 شركة تدخل جميعها في مناقصات ومنافسات حكومية أمر يدعو للقلق، فكيف يمكن أن نصدق أن هذه المنافسات، والصراع على مناقصات بملايين الدنانير جميعها «شريفة»، كما يدعي؟ وهنا نتمنى على أعضاء المجلس قبول تحديه، واعتبار دخوله في مناقصات بمئات ملايين الدنانير مع جهات يقوم برقابتها، نوعا من الضغوط، وقبول استقالته!