وهم الفضيلة في مجتمعاتنا
هذا ليس ردا على مقال سبق ان كتبه الزميل فخري شهاب، وما أثاره من لغط في حينه، بقدر ما هو رد على انطباع عام يؤمن به كثيرون، مفاده أن المجتمعات الغربية عامة تتسم بالانحلال والتفسخ الأخلاقي، وأن الفضيلة والعفة والشرف هي من سمات مجتمعاتنا، وأن للعادات والتقاليد دورا في الحفاظ عليها. يقول الزميل: إن «الأفكار» كجراثيم الدرن، سريعة الانتشار عبر الحدود، فظهورها اليوم في الغرب مقدمة لظهورها عما قريب بيننا! وهنا لا نتفق معه طبعا في وصف «الأفكار» بالدرن، فقد نسي أو تناسى أن الغرب والإنسانية برمتها تدين بكل تقدمها لمجموعة أفكار فلسفية وعلمية، والإنسان بغير فكر هو حيوان أعجم. كما أن الفكر الغربي الحديث بالذات، هو الذي أطاح بمسلمات عتيقة وخاطئة، وأوصل البشرية لما هي عليه من تقدم ورقي حضاري وتقني! ويقول أيضا ان دراسة رسمية (رسمية!) لـ «إن بي سي» n.b.c الأميركية كشفت أخيراً عن معالم واتجاهات في عالم الزواج لم تكن معروفة من قبل، فمن دراسة أجريت بين عام 2002 وعام 2010 تبين أن الشباب من الجنسين بدأوا منذ التسعينات يفضلون بشكل مطرد «التعايش» بعضهم مع بعض على الارتباط بالزواج! كما أن النسبة الى ارتفاع، فمن %34 في عام 1995، ارتفعت إلى %43 في 2002، ثم ارتفعت إلى %48 اليوم. واضاف أن الدراسة بينت ان ربع النساء الأميركيات، بين سن 15 عاما و44 عاما قد «تعايشت» مع رجل ما، وإن هذه النسبة ترتفع كلما ارتفعت أعمارهن. وتساءل الزميل إن كان هذا ما ينتظر المجتمع الاسلامي بعد حملات التحرر التي يسعى الليبراليون جاهدين لتطبيقها؟ وقال انه ناقش هذه الفكرة مع بعض المفكرين في الكويت، فارتفعت أصوات من طرح السؤال محتجين! وقال انه سألهم إن كانوا يرضون بالمصير ذاته لبناتهم ومجتمعاتهم؟! وسؤال زميلنا هنا يفتقد الجدية، خاصة في مجتمع محافظ، أو هكذا يريد الناس أن يظهروا! ولا أدري لماذا نربط مصير أي امرأة، خاصة إن كانت بالغة ومتعلمة بما يكفي، بموقف والدها أو اخيها منها مثلا؟ ولماذا لا يكون لها كيانها وشخصيتها، وإلى متى يجب أن يستمر مجتمعنا الذكوري في تحكمه بالمرأة وبما تفعل؟ وهل يعتقد صاحبنا أن هناك أسرة، في أي مجتمع كان، حتى الغربي الذي يصفه بالتحلل، تريد لابنتها المعاشرة والحمل ومسؤولية تكون سببا في تحطم حياتها أو حياتهم للأبد؟ وبالمقياس نفسه هل هناك اب يرضى لابنه المراهق ممارسة ما شاء من حرية جنسية، فقط لأنه ذكر؟ ألا يمكن أن يترتب على مثل هذه العلاقات مشاكل وأمراض ومسؤوليات مدنية؟ وبالتالي فغالبية الأسر الغربية التي عرفتها أو قرأت عنها لن تختلف إجاباتها عن سؤال الزميل عن إجابة أي أب شرقي لو وجه اليه سؤال يتعلق بموقفه من تصرفات بناته وأبنائه! ولكن هل هذا هو مقياس تقدم ورقي وشرف أي مجتمع؟ وهل الشرف يقاس جنسيا فقط، أي بتعدد حالات «التعايش» من غير زواج؟ وكيف نسخر من نسب التعايش المرتفعة في المجتمع الأميركي في ظل غياب تام لأي أرقام عن مجتمعاتنا؟ وهل من الإنصاف الافتراض، جزافا، بأن مجتمعاتنا أكثر عفة من غيرها! ألم يكن من المفترض على الزميل مقارنة ارقام بأرقام؟ أم أن الشرف الرفيع يقطر من أهدابنا من دون ان نراه؟ وإلى مقال الغد.