صراع المنطقة المذهبي
ليس هناك صراع مذهبي، بالرغم من عشرات الضحايا الذين يلقون حتفهم باسمه في سوريا والعراق وباكستان يوميا، بل هناك صراع غبي!
يعتقد الكثيرون أن المنطقة معرضة لحرب مذهبية مدمرة وطويلة ستستمر لسنوات، وسيكون طرفاها هذه المرة ووقودها أجساد ودماء السنة والشيعة. ولكن زعماء الطرفين، ومن يؤججون مثل هذا النوع من الصراع لا شك اغبياء، أو أنهم أصحاب مصالح ضخمة في استمراره، وليس بينهم حتما من هو غيور أو حريص على عقيدته. فلو نظرنا عبر التاريخ، ومنذ الف عام على الأقل لوجدنا أن عشرات آلاف الصراعات الدينية التي نشبت بين كل أطراف المذاهب والديانات، وبالذات التي تسمى بالسماوية، نتج عنها هلاك مئات الملايين، ولكن لم ينتج عنها في نهاية الأمر فناء طرف أو خضوعه للطرف الآخر، الا مرحليا. ففي كل الأحوال يعيد الخاسر تنظيم صفوفه لينتقم لنفسه، وهكذا تستمر الحلقة الجهنمية الى الأبد! فما الذي يهدف اليه الشاب السني الذي يقوم بوضع حزام ناسف حول خصره وتفجير نفسه في جمع من المصلين الشيعة في العراق أو باكستان أو سوريا وغيرها، أو العكس؟ هل يعتقد هذا الانتحاري الغبي أن بعمله هذا سيفني الشيعة أو يقضي على السنة في باكستان أو العراق أو سوريا، أو أن يقرر الكاثوليك في ايرلندا وغيرها تغيير ديانتهم، أو أن يقرر حتى مستضعفو الروهنغا في بورما التخلي عن عقيدتهم، أو غير ذلك؟ لا طبعا، فالقتل لن يجر الا القتل، والمؤسف أن هناك دائما قتلة، وفي كل انحاء العالم، على استعداد لقتلي وقتلك وقتل انفسهم لاعتقادهم بأنهم مدفوعون بقوى ربانية للقيام بذلك، وأن مكانهم في السماء محفوظ، وهذا الوهم الذي نشأ ضمن محيط بشري كبير يصعب القضاء عليه بغير العلم، وفي هذا يقول عالم الأحياء البريطاني رتشارد داوكنز ان من يتوهم أنه نابليون مثلا يحتاج الى أدوات دعم كثيرة لإثبات صحة مقولته، لأنه منفرد ولا يتلقى دعما من غيره من العقلاء، أما من يتوهم أن عقيدته صحيحة فهو يسبح في بحر من المؤيدين لفكرته، وهذا التأييد الجماعي يعطي المؤمن قوة دعم ودفع كبيرة!
وفي معرض دفاع البعض عن عقيدة ما يقولون انها لا يمكن أن تكون خاطئة ان كان عدد المنتمين لها يتجاوز المليارين مثلا! وعندما تجيبهم بالقول ان هناك من يعتقدون بقدسية البقر وعدم ضربها أو تناول لحمها أو حتى دفعها عن الطريق العام، واستعدادهم لقتل الآخر والنفس دفاعا عن البقرة، يقارب عددهم المليار، فهل يعني ذلك انهم على حق؟ وبالتالي فعدد المنتمين لأي عقيدة لا يعني شيئا، لأنه نتيجة تكاثر طبيعي، وليس بالاختيار الرشيد، ولهذا نجد مثلا أن الشخص المنتمي للديانة الدرزية يولد ويعيش ويموت غالبا وهو من «الجهال»، بلا عقيدة أو علم أو معرفة بدينه، الا انه اختار طوعا أن يكون عاقلا ويأخذ أسرار العقيدة، وهنا يجب أن يكون قد تجاوز الأربعين من عمره، أي أصبح راشدا!
ان العالم حولنا قد تحول لقرية صغيرة، والعمر قصير، والأحقاد كثيرة، فلمَ نمضي وقتنا في كراهية الآخر، والتفكير في كيف نرسله للنار، بدلا من التركيز على فعل الخير؟ ولكن هنا ايضا ورطة، فقد يعتقد سني أن الخير في قتل الشيعي، او يعتقد الشيعي أن الخير في قتل السني، وهنا ستستمر عملية تحكم الموتى فينا الى الأبد!