إعجازهم وعجزنا
ليست هناك حدود لقدرة العقل البشري على الخلق والاستنباط والاكتشاف والتطوير، وقد تمكن هذا العقل، على مدى آلاف السنين، وقبل أن تأتي العقائد، بتقديم الكثير للبشرية، وحضارات الإغريق والفراعنة، والسومريين خير مثال. فقد نجح الإنسان في تطوير الزراعة وتأنيس الحيوانات وبناء المدن واختراع مختلف أدوات القتال والبناء وغيرها. كما قام العقل نفسه في السنوات المائة المنصرمة، أو أكثر قليلا، بتقديم كمّ هائل من الاختراعات والاكتشافات والإنجازات التكنولوجية، خاصة في ميادين الفضاء والطب والهندسة والكمبيوتر، ساهمت جميعها، ليس فقط في تخفيف معاناة البشرية، بل وخلق بيئة مريحة لمعيشتها، وجعل الحياة أكثر تشويقا ومدعاة للاحترام، والأكثر من ذلك أنها أطالت في متوسط عمر الإنسان، والذي لم يكن يتجاوز الخمسين عاما بكثير في غالبية دول العالم، وحتى أقل من ذلك في الدول المتخلفة!
ثم بدأ التحسّن في حياة الإنسان الأول، وبدأ متوسط عمره في الارتفاع مع كل تقدم يحرزه في السيطرة على بيئته، وحماية حياته من الحيوانات المفترسة، واستمر الارتفاع في متوسط العمر بشكل مطرد، وتسارع بشكل كبير ومثير في العقود الأخيرة، وبالتالي لم يكن للعقائد علاقة بقصر أو طول عمر الإنسان، بل الإنسان هو الذي أطال عمره وعمر ما بعده من أجيال، إن من خلال التطور الطبي، أو معرفة الصالح والضار من الأطعمة.
والارتفاع في متوسط عمر الإنسان لم يتوقف منذ عقود طويلة، وبلغ مستويات عالية في الدول المتقدمة طبيا وغذائيا، ومن المحتم أنه مع التقدم العلمي، فمن المتوقع أن يرتفع المتوسط ليصل إلى 150 عاما أو أكثر، فليس هناك علميا ما يمنع ذلك مادامت أعضاؤه تعمل بصورة جيدة! وبالتالي فإن ما يسنده البعض من فضل لنصوص محددة في ما وصل إليه الإنسان من تقدم طبي وعلمي، أمر لا يراد منه إعلان الحقيقة، بل المتاجرة بهذه النصوص المقدسة، وتحقيق فائدة مادية منها. فالعبرة ليست في فضل كتاب مقدس في معرفة اختراع أو اكتشاف ما، بل العبرة بالنتيجة، والنتيجة أننا في هذا الجزء من العالم، وبكل ما كان ولا يزال لدينا من نصوص، كنا نعيش متوسط عمر أقل من غيرنا، بكتبنا وبغيرها، والعلم الحديث هو الذي أثر في نوعية حياتنا وأطال في متوسط بقائنا أحياء! وما حدث من تطور علمي في القرن السابع الميلادي ساهم فيه علماء من دول إسلامية، لم يكن له أي أثر في زيادة متوسط عمر الإنسان في حينه، ولا بعد ألف عام من ذلك، بل جاء الفضل بعدها على أيدي غيرهم، ونسبة الفضل فقط لنا تعود لحالة الإحباط المتراكمة التي عشنا ولانزال نعيشها.
وللدلالة على ما للعقل البشري من قوة، دعونا نستعرض توقعات وتنبؤات البعض من كبار المستشارين والخبراء العسكريين، في ما يتعلق بمستقبل عدد من المخترعات والمكتشفات. فقد توقع لي فورست مثلا، وهو أب الراديو والتلفزيون، أن الإنسان لن يصل يوما إلى القمر! وقال الأدميرال وليم ليهي الخبير في المتفجرات، تعليقا على مشروع بناء القنبلة النووية: إن هذه القنبلة لا يمكن أن تنفجر! وقال خبير كمبيوتر في عام 1949 إن كمبيوتر المستقبل سينخفض وزنه لطن ونصف الطن فقط. وقال رئيس شركة «آي. بي. إم» للآلات الحاسبة، عام 1943: أعتقد أن هناك سوقاً لخمسة كمبيوترات عملاقة في العالم! وقال اللورد كيلفن، رئيس الجمعية الملكية، عام 1895 ان أي شيء أثقل من الهواء لا يمكن أن يطير، في تعليق له عن إمكان السفر في الطائرة!.. لا بد أنك مجنون لتفكر في التنقيب عن البترول داخل الأرض!: هذا ما سمعه إدوين دريك عام 1859 من صاحب شركة حفر! وقال المارشال الفرنسي الشهير فوش إن الطائرة لعبة لطيفة، ولكنها لا يمكن أن تصبح يوما ذات أهمية في الحروب. وقال رئيس تسجيل براءات الاختراع عام 1899: كل ما يمكن أن يُخترع قد تم اختراعه، وليس هناك ما هو جديد!