لن نسمح للطغيان بأن يخدعنا
عنوان المقال مقتبس من آخر سطر في مقال كتبه الشاعر المصري أحمد حجازي، قال فيه: حين يظن بعض المتحدثين في السياسة أن الإخوان المسلمين خصوم سياسيون يقعون في خطأ قاتل، فالخصومة لا تكون إلا بين أطراف تقف على أرض مشتركة، واختار كل طرف طريقاً منها يراه أقرب إلى الغاية وأوفى بالمطالب والحاجات التي يجتهد السياسيون في تحقيقها، ونحن نرى أن الإخوان لا يقفون على الأرض التي نقف عليها. نحن نقف على أرض الوطن، والإخوان يقفون معلقين بين الأرض والسماء، لا يطولون هذه ولا تحملهم تلك، لأنهم يتقافزون بين الجمهورية والخلافة، بين القرن العاشر والقرن العشرين يسألهم السائل: من أنتم؟ فيجيبه حسن البنا: نحن دعوة سلفية وطريقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية! هكذا يخلطون بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة، فيضيعونها جميعاً، ولهذا لا نستطيع أن نعدهم خصوماً، وهم من جانبهم لا يعدون أنفسهم خصوماً سياسيين، ولا يتحدثون إلينا بهذه الصفة. والإخوان لا يعتبرون أنفسهم طرفاً سياسياً ضمن الأطراف الأخرى، فهم لا يمثلون مصالح محددة، ولا ينتمون لفكر سياسي محدد، فليسوا يميناً وليسوا يساراً وليسوا وسطاً. لا هم ليبراليون يراهنون على الحرية، التي تحفظ لكل من الفرد والجماعة حقوقه ومطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا هم اشتراكيون يراهنون على الدور الذي تؤديه الدولة في تنمية الاقتصاد وتوزيع الثروة. والإخوان ليسوا حزباً سياسياً بالمعنى المفهوم المتعارف عليه في الفكر السياسي، وهو أن الحزب جماعة من الناس تعتنق فكرة سياسية تتمثل في برنامج يسعى أعضاؤه للحصول على تأييد الجماهير له، ومساعدتهم في الوصول إلى السلطة لتحقيقه على نحو ما نرى في الدول الديموقراطية، وإنما هم جماعة دينية تفهم الإسلام بطريقتها الخاصة، فتخرجه من العصر الذي نعيش فيه، وتنظر إليه بعيداً عنه، أي بعيداً عنا وعما يحيط بنا من ظروف وما يلح علينا من مطالب، وتضيف للدين تفسيرات واجتهادات وتحصره في مجال واحد محدود من مجالاته، وهو تطبيق الشريعة التي لا نحتاج دائماً في تطبيقها لدولة، لأنها تعاليم دينية وقيم يؤمن بها المسلم، ويلتزمها بالصورة التي يطمئن لها قلبه، قبل أن تكون قوانين صارمة، ومن يعتبر الفائدة، التي يحصل عليها من المصارف، ربا عليه ألا يحصل عليها، فضلاً عن أن القوانين المصرية المعمول بها لا تناقض الشريعة، ولا تختلف عنها إلا فيما يتصل ببعض العقوبات التي يجب أن ننظر إليها، باعتبارها شأناً من شؤون الدنيا التي يحق لنا أن نجتهد فيها، كما كان يحق للمسلمين الأوائل أن يجتهدوا، وهذا ما ترفضه جماعة الإخوان، وما لا تستطيع أن تقوم به، لأنها لا ترى الدين إلا نصوصاً تفهمها بحرفها خارج الزمان وخارج المكان، ثم تعود إليهما لتطبق فيهما ما فهمته خارجهما.
أنهم لا يخاصموننا في السياسة وحدها، بل يخاصموننا في كل شيء، ويرفعون السلاح هم وحلفاؤهم في وجهنا وفي وجه كل ما حققناه منذ خرجنا من القرن الثامن عشر وأنشأنا الدولة الوطنية، واستعدنا حقنا في حمل السلاح والدفاع عن أنفسنا، وانفصلنا عن السلطنة العثمانية، وحصلنا على الاستقلال، ورفعنا شعار الدين لله والوطن للجميع.. الإخوان المسلمون خصوم لكل هذه المبادئ التي آمنا بها وهذه المكاسب التي حققناها، خصوم للدولة الوطنية، وللنظام الديموقراطي، والدستور، والتفكير الحر، وحرية المرأة، وحقوق الإنسان، وباختصار خصوم للعصر الحدي