آمال وأحلام وهلوسات
تخرج صديقي «نون» قبل ثلاثين عاماً من جامعة مرموقة ابتعث لها على حساب وزارة التعليم، وتخرج بعد 4 سنوات مهندساً وعمل في الحكومة لفترة قبل أن يختار العمل الحر، فاستقال وافتتح مكتباً هندسياً، بعد استخراج مختلف التراخيص الرسمية، اعتماداً على شهادته الجامعية.
بعد أكثر من عقدين من مزاولته لعمله الحر، اكتشف أن من حقه الحصول على «دعم عمالة»، أسوة بغيره، فتقدم للإدارة المعنية بطلب الدعم فطلبوا منه، كالعادة، مجموعة من المستندات. وهنا بدأت الملحمة. فالطلب الأول والأهم كان تقديم شهادة جامعية مصدقاً عليها من التعليم العالي! ورغم جهوده في إقناعهم بأنه عمل في الحكومة بموجب تلك الشهادة، وفتح مكتبه الهندسي بموجبها، وصمم وأشرف على بناء آلاف المباني الحكومية وغيرها، بموجبها، فما الداعي لتصديقها الآن، بعد 30 عاماً من صدورها؟ فقد أصرت الجهة على التصديق حتى لو كانت شهادته معترفاً بها و«حقيقية»، وسبق أن عمل بها في جهة حكومية وفتح مكتباً هندسياً! ولأن صاحبنا ليس عضواً في أي تنظيم ديني سياسي محلي، يتبع تنظيماً عالمياً فاسداً، فقد اتكل على نفسه، وتمكن بعد جهد من المصادقة على شهادته! ولكن هذا لم يكف فقد طلبوا منه كشفاً بعلاماته الجامعية! وهنا، أيضاً، رضخ للطلب، فهو صاحب الحاجة، فتقدم ثانية للتعليم العالي التي قامت بمخاطبة الملحق الثقافي في سفارتنا في الدولة المعنية، لطلب كشف العلامات! تأخر رد الملحق، فتدخل أولاد الحلال، وبعد مراسلات واتصالات تبين أن الطلب قد ضاع بين أوراق الملحق! تم تدارك الوضع، وحصل في نهاية الأمر على المعادلة وكشف العلامات، وتم التصديق على جميع أوراقه، فأخذها صاحبنا فرحاً، بعد أن انتهت معاناته مع الجهات والمستندات والصور والأصل والتوقيعات والتصديقات والمراجعات والاتصالات، التي استغرق إنهاؤها شهرين تقريباً، وذهب لدعم العمالة، وقدّم ملفه كاملاً، أو هكذا اعتقد! وهناك فاجأوه بالقول إن عليه الآن تقديم صورة مصدقة عن شهادة الدراسة الثانوية، فسقط مغشياً عليه!
والآن لو تخيلنا أن آمالنا في وصول مرشحين من أمثال يوسف الجاسم ومرزوق الغانم وصفاء الهاشم ونبيل الفضل ومعصومة المبارك وعلي الراشد وفيصل الشايع ووسمي الوسمي وكامل العوضي، وغيرهم من الأفاضل ممن لا أتذكر أسماءهم، قد تحققت وأصبحوا نواباً! ولو تخيلنا أن آمالي في سقوط مرشحي الأحزاب الدينية المتطرفة قد تحققت، وسقط معهم المدان بسرقة خيام الجهة التي كان يعمل فيها، ولو افترضنا سقوط الذين حامت الشبهات حول مشاركتهم في انتخابات فرعية أو المتهمين بدفع رشى وبقوا قيد الحجز حتى يوم الانتخاب، فهل بعد تحقق كل هذه الأماني والأحلام سيتعدل وضعنا، وتنصلح أمورنا، أو على الأقل يتباطأ انحدارنا الأخلاقي والأمني، ولو قليلاً؟ الجواب سلبي جداً.. وأتمنى أن أكون على خطأ.