مجلس عبدالحميد الأعلى
دعا النائب المبطل عبدالحميد دشتي إلى إنشاء مجلس شيعي أعلى! وطلب من الأكاديميين والمختصين إعداد قواعد الأمانة العامة للمجلس، لحين دعوة العلماء، بكل مرجعياتهم، والوزراء والنواب السابقين والحاليين والأسر الشيعية، ليشكل «مناديبهم» (يقصد مندوبيهم) المجلس الأعلى، وفق موقف موحّد! وقال إن الوقت قد حان ليكون للشيعة كامل حقوقهم الدستورية! وإن شعار الشيعة كان دائماً «هيهات منا الذلة»!
وبصرف النظر عن هلامية الطريقة التي اقترحها لتأسيس هذا المجلس، وما اكتنفها من غموض، فإنه من الصعب التفكير فيها خارج سياق المصلحة الشخصية لمن فكر بها، في غياب أي آلية واضحة لطريقة اختيار مثل هذا المجلس الطائفي، خصوصاً أن أصحاب النفوذ السياسي والمال، أو أولئك الأكثر حدة في تطرفهم الطائفي، ستكون لهم الكلمة العليا في تسيير شؤون مثل هذا المجلس! وعلى ضوء ما شاهدناه من استقطابات طائفية وقبلية وعشائرية كريهة في الانتخابات الماضية، التي يتوقع أن تكون أكثر تطرفاً في القادم منها، فإننا بالتالي بغير حاجة إلى خلق استقطاب مذهبي آخر يكون عامل تفريق جديداً! كما أنه من الصعب تخيل اتفاق الجهات التي ذكرها، خصوصاً مندوبي الأسر، على صيغة موحّدة، أو من الذي سيحدد عدد الأسر المشاركة، علماً بأن مثل هذا المجلس، إن تم إنشاؤه، سيكون له دور خطير في تزكية من يفوز ومن يخسر في أي انتخابات نيابية أو بلدية مقبلة. كما سيسعى المسيطرون عليه لفرض مرشحيهم للحكومة، وكل هذا سيصبّ في نهاية الأمر في زيادة حدة الاحتقان والتطرف الطائفي، وزيادة تحكم أفراد محددين في قرارات وعقول وتصرفات الأغلبية ودفعها إلى التصويت أو لاختيار أشخاص قد لا يكونون أفضل من غيرهم، بل فقط لأن المجلس الأعلى رأى ذلك! وقد رأينا في التجارب القبلية المشابهة كيف أن اختيارات القبيلة، أو الجمعية الثقافية، لم تكن في الغالب تصبّ نحو اختيار الأفضل، بل لمن كان الأقرب فكرياً لها!
أما قضية أن الشيعة بحاجة إلى مجلس أعلى لكي يسترد «كامل حقوقهم الدستورية»، فهو أمر مثير للاستغراب! فإن كانت حقوق الشيعة غير كاملة، فلماذا سكت حضرته، وهو المحامي(!)، عن تكملتها، خصوصاً أنه وصل إلى البرلمان مرتين ولم نسمع عنه سعيه لاسترجاع المسلوب من حقوق جماعته؟ أما عن ادعائه بأن شعار الشيعة «هيهات منا الذلة»، فهو أمر يدعو إلى الاستغراب أيضاً، ويصبّ في التأجيج الطائفي الكريه، فهل يعني بكلامه أن «هيهات منا الذلة» لا يخص غيرهم، وأن الآخرين شعارهم «أهلاً أهلاً بالذلة»؟ وعلى افتراض أن ما ذكره صحيح، فهل جعل هذا من الشيعة قوماً أفضل من غيرهم إنتاجاً أو إنسانية مثلاً؟ ألسنا جميعاً مواطنين متساوين بشكل عام في مجتمع متخلف؟ وهل خصائص فئة منه أفضل من غيرها؟ وماذا فعل بهم عدم قبولهم للذلة، وهل كان له أدنى تأثير على وجودنا في المرتبة الـ38 في ترتيب دول العالم من ناحية مستوى المعيشة؟ لهذا ولغير ذلك من الأسباب نتمنى على عقلاء الوطن أجمع وأد فكرة إنشاء مجلس شيعي أعلى في مهدها، فلسنا بحاجة إلى استقطابات وصراعات أكثر.