قصتي مع المرحوم سليمان المطوع
كنا 16طالبا، بينهم خمسة أولاد سفراء، ويعلم الجميع أن في مقدورهم ألا يأتوا أساسا إلى المدرسة. لكنهم يأتون كرما منهم! كان بينهم واحد، إذا غاب أحمل همه وأقلق عليه، لأنه الوحيد الذي تجعله علامته يأتي بعدي في الترتيب عندما تعلن نتائج الامتحانات، وكنت أخشى أن يغيب فأصبح أنا الأخير في الصف!
(زياد الرحباني)
***
أعادتني جملة زياد الطريفة أعلاه لسنوات دراستي المتوسطة في مدرسة الصديق قبل نصف قرن! فقد كنت يومها تلميذا شقيا، ولم تكن علاماتي، بخلاف التعبير، وهو فرع من مادة اللغة العربية، مميزة بغير كونها أقرب للقاع منها لأي شيء آخر. ولا أدري حقيقة كيف نجحت، وكيف تأهلت للانتقال الى الثانوية، ولكني نجحت وخلاص، وأتذكر جيدا أنني تأبطت ملفي الدراسي، المعنون بــ «سري»، واتجهت لثانوية الشويخ، التي كانت يومها قبلة «خريجي المتوسطة»، واتجهت مباشرة الى غرفة مدير الثانوية، وكان يومها المرحوم سليمان المطوع! سلمته الملف ففتح القيد عنه وقرأه وتأمله وقلب صفحاته، وخلته سيطلب مني العودة في اليوم التالي للانتظام في الدراسة، ولكنه تنهد قليلا ونظر لي وقال لي بالحرف: يا ابني أنت لا تصلح للدراسة عندنا، فعلامات السلوك عندك منخفضة! لماذا لا تذهب الى جهة أخرى؟ لم أنبس بحرف، وأخذت الملف «السري» منه واتجهت نحو باب الخروج، وكان ذلك آخر عهدي بثانوية الشويخ، حيث لم تطأها قدماي بعدها لأكثر من ثلاثين عاما!
وما ان سمعت بأن مدرسة ثانوية تجارية ستفتح ابوابها قريبا في المبنى السابق لمدرسة المثنى، في شارع فهد السالم، حتى التحقت بها من فوري، وقبل طلبي من دون نقاش لأن المدرسة الحديثة كانت تبحث عن الطلبة بأي شكل! درست هناك حتى الصف الثالث الثانوي، ولكن نفسيتي لم تكن على ما يرام، فطموحي في القيام بشيء ما دفعني للتوقف عن الدراسة، التي لم تكن جدية أصلا، والبحث عن وظيفة ما صباحا وإكمال الدراسة مساء! وما ان بدأت العطلة الصيفية حتى بدأت بالبحث عن عمل، ولا أدري كيف قادتني قدماي الى بنك الخليج، حيث قبل طلبي للعمل في وظيفة متواضعة جدا، ولم يكن تصنيفي بأفضل إلا من الفراش!
تحملت ذلك، وكلي ثقة بأنني سأثبت لهم مقدرتي، ولكن المفاجأة السيئة كانت بعد انتهاء العطلة الصيفية، حيث تبين أن مدرسة كيفان المسائية لا تعترف بشهادة انهائي للصف الثالث الثانوي التجاري واشترطت علي أن أبدأ دراستي الثانوية من البداية وخسارة السنوات الدراسية الثلاث! احترت فيما عليّ عمله، هل اعود للمدرسة التجارية وأكمل السنة الرابعة وأدخل الجامعة بعدها، أم ابقى في عملي وانسى «التعليم وسنينه»، أم أبدأ الدراسة الثانوية من الصفر؟!
روح التحدي بداخلي تغلبت على كل شيء، وقررت ان اصنع من نفسي شيئا، وأن اثبت لوالدي أنني جدير بثقته! وهكذا قمت باختصار 24 سنة من عمري في 8 سنوات، حيث اكملت دراستي الثانوية ليلا ومن بعدها الجامعية، بمساعدة كبيرة من البنك، وبدأت أول مشاريعي التجارية مع اول سنة دراسية مسائية، ولم أتوقف عن العمل المصرفي يوما، وبالتالي عملت لثماني سنوات في البنك ودرست لثماني سنوات، ونميت أعمالي التجارية لثمان ثالثة، وكلها في وقت واحد، وأعتقد انني حققت نجاحا لم يحققه الكثيرون ممن اختاروا الطرق التقليدية في حياتهم!
أعود واقول انه كان للأستاذ المرحوم أبوحسام، والذي كان لرفضه الالتحاق بمدرسته، الفضل الأكبر، وإن بطريقة غير مباشرة، في كل ما حققته تاليا من نجاح في حياتي.