ريادة القبس في الجديد
اللغة، كأي كائن، تُولَد وتتطور وتكبر وتشيخ، وأحيانا تموت، وهذا ما أصاب الكثير من اللغات التي اندثرت كالآرامية والنبطية وغيرها. ولو نظرنا للمخطوطات العربية القديمة، وما تبقى من رسائل النبي لملوك فارس والروم، لصعبت علينا قراءتها! والأمر يسري على النصوص القرآنية السابقة للتنقيط، ويمكن القول إن اللغة العربية القديمة لا تشبه لغة اليوم، كما أن اللغة السائدة بين بدو صحراء الجزيرة والعراق تختلف عن العربية السائدة في المدن. ولو راجعنا علم اللغات philology، لوجدنا أن الروايات تتعدد في ما يتعلق بنشأة العربية، أو أية لغة أخرى، ولكن ليس من الصعب اكتشاف أوجه التشابه بينها وبين لغات سامية أخرى. ويعتبر السويسري فرديناند دي سوسور ferdinand de saussure المرجع الأقدم في مجال اللغات، وواضع قواعدها. وبالرغم مما يدّعيه بعضهم من صمود اللغة العربية في وجه التغيير، فإن من المعروف أن كتابة الأحرف العربية وطريقة نطقها قد خضعت لتعديلات عدة على مر العصور، وخضعت في مرحلة ما لعملية تنقيط «ثورية». وقد أدى دخول المزيد من غير العرب في الإسلام ومحاولتهم تعلم العربية وقراءتها لخلق المزيد من غموض اللغة لعدم وجود حركات علة فيها، وكمثال كلمة «كتب» فهي تعني كَتَبَ وكُتِبَ وكُتُب، وكان لأبي الأسود الدؤلي دوره هنا. وجاء بعده من أضاف علامة للتنوين. وزاد أهل المدينة علامة التشديد، فجعلوها قوسين، ووضعوا نقطة الفتحة داخل القوس، وغير ذلك من إضافات. وزاد أهل البصرة السكون، فجعلوه شرطة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه. ثم قام الفراهيدي في العهد العباسي بتغيير رسم الحركات، ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام. كما نشأت بعض علامات اللغة العربية بسبب اختلاف قراءة القرآن بين نطق لهجة أهل مكة، حيث وجد القرآن، والعربية التقليدية، وتلك العلامات تتضمن التاء المربوطة والألف المقصورة أو الياء المهمَلة (ى) وغيرها. كما يفرق بعض الفقهاء بين الهمزة والألف، وهم يعتبرون عدد الحروف 29 حرفاً وليس 28! من كل ذلك نجد أن تطور العربية لم يتوقف يوما. ومع دخولنا العولمة واستخدامنا مئات الكلمات غير العربية، التي أصبحت جزءا من ثقافتنا ولغتنا اليومية، وبما أن الكثير من هذه الكلمات التي نستخدمها بكثافة، خاصة أسماء المدن والأشخاص تتضمن حروفاً لا توجد في لغتنا، فإن هذا يدفع الكثيرين لنطق تلك الكلمات بطريقة غير دقيقة، ومضحكة أحيانا. كما أن عدم وجود حرف صحيح يمكن به كتابة اسم مدينة كـ agra الهندية مثلا، فإننا نجد بعضهم يكتبها «أجرا» وآخرون «أكرا» وغيرهم «أغرا»، وهكذا، وجميعها لا تعطي اللفظ الصحيح، وبالتالي يتطلب الأمر إدخال بضعة حروف على المطبعة العربية، لكي يمكن كتابة مثل هذه الكلمات بطريقة سليمة، وهذا سيزيد من ثقافتنا ومن فهم الآخرين لما نريد قوله! وهنا نطالب القبس، بما عُرف عنها من ريادة، أخذ زمام المبادرة، والبدء باستخدام بعض الحروف الجديدة خاصة مثل: الـ«پ» والـ«گ» والـ«ڤ» والـ«چ». علما بأن بعض صحف لبنان وشمال أفريقيا تستخدمها في مقالاتها. كما أن مطابع القبس مزوَّدة بها، فقد استخدمتها في كتاب القبس الأخير «80 يوماً حول العالم»! للإشارة لبعض الأسماء والمدن.