عتق رقبة
لم تُحرّم أي من المذاهب الإسلامية، أو «علمائها» الرقَّ علانية، فقد امتلك المسلمون طوالَ تاريخهم - من مجاهدين أو أثرياء - بشراً بصورة عبد أو أَمَة، ومن أي جنس أو لون كان! وقد كان شراء البشر وبيعهم، أمراً مقبولا به طوال التاريخ الإسلامي، واستمر العمل بهذا النظام اللانساني في منطقتنا حتى وقت قريب، ولا يزال مستمراً في دول عدة، وقد كان لبريطانيا «العظمى»، وليس لغيرها، قصب السبق في محاربة الرق عالمياً، ولولا جهودها المبكرة لكان الرق لا يزال سائداً في أجزاء كثيرة من عالمنا. وأتذكر جديا، عندما كنت أعمل في أحد المصارف في ستينات القرن الماضي، أن بعض زملائي في البنك، من غير الكويتيين، كانوا يأتون إلي، وأمارات الدهشة بادية عليهم، بشيكات صادرة لمصلحة: فلان «تابع» فلان الفلاني! وكانوا يتساءلون عن معنى «تابع»! ويُبدون استغرابهم لوجود بشر أرقاء! وبالتالي، كان الرق معمولا به في الجزيرة العربية حتى فترة متأخرة من الستينات.
وقد نشرت القارئة رباب خاجة، على موقعها، وثيقة نادرة تعلقت بعقد بيع جارية مقابل بضعة ريالات سعودية، مما يعني أن الأمر كان يتم علانية، وطبقاً لأعراف وقواعد ثابتة. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية دعت إلى عتق العبيد في حالات معينة، فإن الوضع بمجمله كان مأساوياً، حيث كان العبيد يُعامَلون بقسوة شديدة، وربما كان ذلك وراء قيامهم بثورة الزنج عام 869، التي قمعها العباسيون بعد 14 عاماً.
وعلى الرغم مما يعتقده البعض من أن الرق يرتبط مباشرة بلون البشرة، فإنه ومن منطلق الشريعة، لم يكن مبنياً على عرق أو لون، فقد كانت غالبية الجواري - مثلاً - من البيض. وكانت تجارة الرقيق عند العرب نشيطة، خاصة في مناطق شمال أفريقيا وشرقها، ولكن هذا النشاط تضاءل مع نهاية القرن الــ 19 مع اشتداد ضغوط بريطانيا، وتالياً فرنسا، ولكن لا تزال هناك دول تمارَس فيها العبودية، في الوقت الحاضر، مثل تشاد والنيجر ومالي والسودان، وموريتانيا، كما ورد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن كثيرين مارسوا تجارة الرقيق خلال حروب البوسنة وكوسوفو وأفغانستان وهايتي وكولومبيا، وبروندي. والسبب وراء استمرار الوضع أن نسبة كبيرة من المستفيدين منه، كانوا إما تجارا واما سياسيين، وبعضهم برروا الأمر بموقف الشريعة المتساهل منه.