البطر بعد الجوع
تقوم السلطات الجمركية، بين الفترة والأخرى، بإتلاف كميات كبيرة من المشروبات الروحية المصادرة، وكان آخرها قبل أيام، وتم بث شريط إتلافها على وسائل التواصل، وبيّن كيف كان العمال يرمون كراتينها من حاويات كبيرة ومرتفعة وعلى الأرض الإسفلتية، بطريقة بدائية تجعل كلفة جمعها مرة أخرى وتكسيرها عالية دون سبب منطقي!
والسؤال هنا، لو كانت الكويت دولة فقيرة جدا، ولا تمتلك أي ثروات تكفي لإطعام نفسها، وكانت قوانينها صارمة وتمنع تناول أو تداول المشروبات الروحية، فهل كانت حقا ستقوم بإتلاف ما تقوم بمصادرته من مشروبات روحية؟ ألم تكن وقتها ستفكر بطريقة اكثر رشدا، وتتصرف بها بالبيع لأحد أسواق المنطقة الحرة في المطارات، وما أكثرها، التي تبيح بيع مثل هذه المواد، ومن ثم صرف عائد البيع لتحسين مستوى المجاري لدينا، مثلا؟ ولماذا يكون موقفنا مختلفا ونحن فقراء عن موقفنا ونحن أغنياء، والمبدأ واحد؟
ولو كنا بالكاد نجد ما نأكل، هل كنا سنضحي بكل هذه الرؤوس من الأغنام في كل عام، والتخلص من غالبيتها بالدفن؟ ألم نكن سنفكر حينها بتحويل هذا الطقس الديني لعملية رمزية، بحيث تتم التضحية برأس خروف واحد في كل دولة في العالم، نيابة عن كل حجاجها، وجمع مبالغ تلك الخراف، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، وصرفها على عشرات المشاريع المفيدة والمطلوبة، ولو ضاع نصف ما سيجمع، فهل أفضل من دفن المال تحت الرمال سنة وراء أخرى وعقدا بعد آخر وقرنا بعد سابقه؟
المؤلم هنا أن نرى أن الثراء الذي هبط علينا قبل نصف قرن من أموال النفط لعب دورا معاكسا في حياتنا، فبدلا من ان يكون عاملا في تحسين مستوى معيشتنا، وتمكيننا من توفير أعلى درجات التعليم لنا ولأبنائنا، ويشجعنا على الانفتاح أكثر على الآخرين، فإن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد حولنا تلك الثروة لثلاجات وسيارات وهواتف نقالة، وانغلقنا على أنفسنا، متباهين، كالطواويس بما نملك من ثراء، لا يد ولا رجل لنا فيه، وزادنا الثراء النقدي تعصباً، وكرهاً للآخر «الطامع فينا»، وإصراراً على التباهي بأننا خير الأمم، ونحن في الواقع، وبالكاد نجر أذيال التخلف والخيبة في المؤخرة!