مانديلا وناصر
«.. عندما هممت بالخروج من بوابة السجن إلى الحرية، شعرت بأنني إن لم أترك ورائي ما بنفسي من مرارة، وما بقلبي من حقد، فإنني سأبقى سجينا إلى الأبد».. نيلسون مانديلا.
***
وصلتني رسالة تويتر حاول فيها مرسلها تأبين الرئيس الجنوب أفريقي، (مانديلا)، ومقارنته بعبدالناصر، وهذا ظلم للرجلين. فقد بقي مانديلا في الحكم 5 سنوات فقط، وسلم بعدها الرئاسة لغيره طوعا. وترك الحكم بعد أن وضع الأسس القانونية للقضاء على كل أشكال الحقد والكراهية بين شعبه الأفريقي وحكامه البيض السابقين، وأنهى كل مرارات القتل والتشريد والتعذيب والإهانة البشعة التي تعرضت لها الأغلبية نتيجة سياسات الفصل العنصري، من خلال محاكمات التسوية بين الضحايا والجلادين. وكان اللقاء الرمزي الذي جمعه والمدعي العام الذي حكم عليه بالسجن 27 عاما، قمة في الإنسانية ومثالا يحتذى في التسامح والغفران. وأعتقد أن جنازته، كرئيس سابق، ستكون حدثا تاريخيا غير مسبوق، كما ستبقى ذكراه للأبد كرمز لقوة الشخصية، ونكران الذات ونظافة السيرة. ويسود الاعتقاد أنه ترك الحكم والحياة، من دون أعداء!
في الجانب الآخر، وصل الرئيس ناصر للحكم مع بداية 1956، بعد التخلص من محمد نجيب، والقضاء على بقية أعدائه من عسكريين ومدنيين. وقدم لمصر، في فترة قصيرة، ما كانت بحاجة له من عزة وكرامة. كما نجح، سياسيا فقط، في جعل مصر مستقلة، وذات مكانة افريقية وعربية عالية، ولكنه مات تاركا وراءه كماً هائلا من الأعداء، داخليا وخارجيا، وكانت خطيئته الكبرى، وهو الذي امتلك شعبية عارمة قلّ نظيرها بين زعماء العالم، إصراره على التمسك بالحكم، ورفض الديموقراطية، والدخول في تجارب سياسية فاشلة الواحدة تلو الأخرى، والاستعانة بالأجهزة السرية لتثبيت سلطته، ورفضه النظر في قصص الفساد، التي كانت تطال كبار رفاقه في الحكم، من «الضباط الأحرار». ولو آمن عبدالناصر، وهو في قمة شعبيته، بالديموقراطية وأرادها اسلوب حكم لما تخلى المصريون عنه، ولانتخب رئيسا المرة تلو الأخرى إلى أن «تطلع روحه»! ولكنه فضل الدكتاتورية، وخلق الأعداء والانتقام منهم، وملء السجون بهم! ولو كانت مصر الستينات دولة ديموقراطية لما عرفت السادات ولا مبارك، ولا عرف العرب السلال وقاسم وعارف وصدام والقذافي وعشرات الدكتاتوريين الآخرين! ولكن ربما يكون «تراث» هذه الأمة أن تميل غالبيتها نحو حامل السيف أو البندقية، وليس نحو حامل البطاقة الانتخابية والديموقراطية!