متخلِّفون.. حتى في لغة الإشارة!

 شاهدت فيلماً هندياً قصيراً يقوم فيه أب بتسليم ابنته البكماء هدية عيد ميلادها، وتبين لها عند فتح العلبة أن بها هاتفاً نقالا! نظرت الفتاة الى أبيها بحزن وكأنها تعاتبه، فكيف لم يفكر في إعاقتها؟! ولكن الأب أعطاها إشارة تعني أنه ليس من أرسل الهدية! ما هي إلا لحظات حتى بدأ ذلك الهاتف الذكي بالاهتزاز، فرفعته الفتاة، ونظرت الى شاشته فإذا بصورة حبيبها، الذي لديه إعاقتها نفسها، يخاطبها بلغة الإشارة ليخبرها بأنه الذي أرسل الهدية، وأن بإمكانهما الآن التحدث مع بعضهما، عن بُعد، عن طريقه! وهذه من «نِعم» التكنولوجيا علينا!

كنت أظن، قبل مشاهدة هذا الفيلم المؤثر، أن لغة الإشارة عالمية، ولكن تبين من ملاحظة صديق أن صفة عالمية غير دقيقة إلا في بعض الإشارات! فلكل دولة - وربما مجتمع - إشاراته الخاصة التي عادة ما تكون ترجمة لحروف لغة تلك الدولة أو المجتمع، وبالتالي ليس غريبا أن نجد تقدم الدول الغربية في هذا المجال أكثر من غيرها، خاصة تلك الناطقة باللغة الإنكليزية، التي تشترك جميعها تقريبا في لغة إشارة واحدة. كما أن هناك قواميس تترجم الإشارات من لغة الى أخرى، إضافة الى جداول توضيحية لشرح لغة الجسد وبقية إشارات الأيدي.

وبالبحث أكثر، تبين أن تاريخ توثيق لغة الإشارة بدأ عام 1620 في اسبانيا، وذلك عندما نشر جوان بابلو بونيت مقالة تحت عنوان «اختصار الرسائل والفنِّ لتعليم البكم الكلام»، فاعتبر عمله أول محاولة جادة للتعامل مع علم الأصوات ومعالجة صعوبات النطق. كما أنها أصبحت وسيلةً للتعليم الشفهيِّ للأطفال الصمِّ بحركات الأيدي، التي تمثل أشكال الأحرف الأبجدية، لتسهيل التواصل مع الآخرين. ومن خلال أبجديات بونيت، بدأت محاولة لتعليم أطفال صم في مدرسة فرنسية على مهارة استعارة تلك الأحرف وتكييفها، وكانت تلك نواة «دليل الأبجدية الفرنسية للصمِّ»، الذي نشر في القرن الــ 18 وبقي منذ تاريخه من دون تغيير. ولقد استُخدمت لغة الإشارة الموحّدة في تعليم الصُّمِّ في إيطاليا وغيرها بعد ذلك.

وتبين من البحث - كذلك - أن مشكلة العرب مع لغة الإشارة ليست ببعيدة عن مشاكل تخلُّفهم في بقية المجالات الأخرى، فهناك قواميس لغة مصرية وأردنية وإماراتية وليبية وتونسية، ولكن على الرغم من تعددها فإن أحد الباحثين في هذا المجال وجد أنها لا تحتوي على ما يكفي من الإشارات، وبينها اختلافات كبيرة، (حتى هنا؟)، ولا ترتقي الى المستوى المطلوب لقلة ما بها من مفاهيم ومحدوديتها، مما يعيق عمليتي التواصل والتخاطب بشكل سلس.

الارشيف

Back to Top