المحافظ الذي لم يحافظ
أبدى الكثيرون إعجابهم بالشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، عندما أقدم على الاستقالة من منصبه المرموق كمحافظ للبنك المركزي. ودلت استقالته وقتها على تمسك الرجل بموقفه الواضح من الكثير من القرارات الحكومية، واعتراضه على جملة من القرارات الحكومية المالية، خصوصاً ما تعلّق منها بالهدر الرهيب في بند زيادات الرواتب التي افتقرت الى الحصافة، والتي سيدفع الجميع، حتى الذين زيدت رواتبهم، ثمنها لاحقاً في تضخم فاحش، وغلاء في كل مجال.
ولكن هذا الإعجاب تلاشى عندما قبل الشيخ سالم بتعيينه في حكومة سبق أن رفض قرارات رئيسها، وقبل منصب وزير المالية، وهي الجهة التي سبق أن اشتكى من سوء قراراتها؟ ولكن البعض الآخر استبشر خيراً بقبوله التكليف، وأنه ربما عيّن أو جاء ليصلح ما سبق أن اشتكى منه، أو ما كان عاجزاً عن إصلاحه، عندما كان يأتمر بأمر وزير المالية، وأن البلاد ستشهد لجماً قوياً للصرف غير المبرر في عهده.
ولكن الرجل فاجأنا، أو ربما خيّب آمالنا، عندما قضى جل وقته في وزارة المالية، التي تهيمن على جميع الأجهزة المالية والاقتصادية، ولم يتمكن من القيام بأي إصلاح يذكر.
ثم جاء التعديل الوزاري الأخير، ولم تبدر من الشيخ سالم أي مبادرة تشير إلى اعتكافه، سوى خبر مقتضب عن اعتذاره عن المنصب لأسباب صحية(!) وهنا أيضاً، كان مفاجئاً، كبقية المفاجآت الأخرى التي زخرت بها الحكومة الأخيرة، خلو التشكيل الوزاري من اسمه! ثم جاءت الصدمة عندما أجرى الشيخ، والوزير السابق، سالم الصباح، مقابلة صحفية حذّر فيها من المخاطر الاقتصادية المتوقعة، في حال استمرار انفلات الصرف الحكومي غير الطبيعي، والهدر المالي المتسارع والذي سيتسبب حتماً في خلخلة وضع الدولة المالي في المستقبل القريب، وما سيؤدي اليه من عجز كبير. وطالب بترشيد الدعم وقصره على المستحقين الحقيقيين، وإيقاف الإنفاق عند مستوياته الحالية. وقال إن العجز المتراكم في الفترة من 2016 وإلى 2030 سيصل إلى مائة مليار دينار تقريباً! وتضمنت المقابلة تحذيرات كثيرة أخرى.
والسؤال هنا، لماذا لم يشترط، قبل دخوله الوزارة، أن تكون مهمته إصلاح ما يعتقد باعوجاجه؟ ولماذا لم تبدر منه أي مبادرة إصلاحية، وهو أهم وزير في الوزارة؟ وما الذي فعله «معاليه» أثناء توليه الوزارة المختصة بموازنة الدولة وصحتها المالية؟ ولماذا قبل تولي المنصب أساساً، وهو العالم بعجز من يتولاه عن فعل شيء بوجود «حكومة ظل»؟ ولماذا لم يستقل من الوزارة، وهو الذي امتلك ما يكفي من قوة الشخصية والإرادة للاستقالة من منصب محافظ البنك المركزي، عندما اكتشف عجزه التام؟
نحن هنا لسنا بصدد مهاجمة الرجل، فربما كانت له «أسبابه» الخاصة، بل لنبين مدى العجز الذي وصلنا إليه. فإذا كانت مشاكلنا وقضايانا المالية، الأكثر سهولة في الحل، بمثل هذا السوء، فما هو وضع القضايا الأكثر صعوبة؟