جرائم الكهنة والخمس
انتقدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، للمرة الأولى في تاريخ المنظمة الدولية، الفاتيكان، الصرح الكاثوليكي الأكبر، والذي يتأثر به أكثر من مليار مسيحي، لدوره المخجل في حماية الكهنة والتغطية على جرائم اعتداءاتهم الجنسية على الأطفال، العاملين معهم أو الموجودين في كنفهم، وكيف أن هذه الحماية جعلت من قضية الاعتداءات أمرا روتينيا، وزادت من اتساع نطاقها لتشمل دول العالم أجمع، وليصبح ضحاياها بعشرات الآلاف. كما طالبت اللجنة البابا فرانسس شخصيا بالتدخل وتخليص الكنيسة من رجال الدين المتورطين بمثل هذه الجرائم، أو الذين حامت الشكوك حولهم. كما انتقدت اللجنة رفض الفاتيكان الافصاح عن اسماء الكهنة المدانين، أو حتى الكشف عن خططها المستقبلية المتعلقة بالقضاء على مثل هذه الجرائم، أو حتى الحد منها. ويحدث ذلك بعد اتساع نطاق المتورطين في مثل هذه الجرائم، وقدمها التاريخي، وكأنها إرث لا يمكن التخلص منه!
ما يهمنا تأكيده هنا أن أي سلطة دينية كانت أو مدنية مطلقة لا يمكنها مقاومة إغراءات الانحراف، فهذا من طبائع الأمور. فكل سلطة مطلقة هي فاسدة ومفسدة حكما، متى ما غابت الرقابة عنها. كما تبين هذه الحادثة، غير المسبوقة، والتي أجبرت المنظمة الدولية لتوجيه النقد لصرح ديني هو الأكبر في العالم، ان كل سابق اتهاماتنا لها بعدم الحيادية لم تكن دقيقة دائما، وخاصة ما تعلق منها بانتهاكات الكثير من دولنا، إن لم يكن كلها، لحقوق الإنسان فيها. كما بين انتقاد المنظمة للفاتيكان أن المؤسسة الدينية ناد مغلق على اصحابه، وثوب السرية، النابع من القدسية، الذي تسعى جاهدة للتستر وراءه، يجب ألا يمنع اي جهة من توجيه النقد لها ومراقبة أنشطتها ومتابعتها، فهي لا تمثل إلا نفسها، وليسوا وكلاء الله على الأرض!
نعم هناك خراب أخلاقي كبير في العديد من المؤسسات الدينية غير الإسلامية، ولكن مجال النقد الكبير المتاح سيعدل في نهاية الأمر من أوضاعها، أو على الأقل يقلل ما بها من فساد إداري واخلاقي ومالي، ولكن هل تسمح المؤسسات المماثلة لدينا بمثل هذا النقد؟ وهل ثمة من يقبل الإقرار بفساد المؤسسات الدينية لدينا، وانحراف القائمين عليها، أو السؤال عن موازنة الأزهر مثلا، أو التساؤل عن مصير ما يجمع باسم «الخمس»، والذي ربما لا يعرف غالبية من يجمع باسمهم، إلى أي جيب ينتهي؟