الصحافة والحياة
الصحافة مهنة متعبة، ولكنها بالقدر نفسه جاذبة لمن يبحث عن الإثارة ومعرفة الخبر قبل غيره! وهي بالتالي مهنة لا يهدأ من يعمل بها، لأن أحداث الحياة متغيرة مستمرة متسارعة في كل ساعات اليوم، ويكون بال الصحافي المحترف مشغولا بالخبر حتى عندما يكون في إجازة عن العمل! وفي السابق كانت رائحة حبر المطبعة وورق الطباعة ودخان سجائر المحررين، وصوت مكابس الطبع هو الذي يعطي الصحافة نكهتها التقليدية، ولكن كل ذلك تغير وأصبح صف الحروف وترتيب الصفحات وتدقيق المواد المحررة من إرث الماضي، بعد أن دخلت اليها التكنولوجيا وبرامج الكمبيوتر، فأصبح نشر الخبر أكثر سرعة، والمطابع أقل صوتا، والتوزيع أكثر كفاءة، والحروف أكثر جمالا، والمادة أكثر متعة، وحدها المهنة نفسها بقيت بمشاكلها الإنسانية. وقد ساهمت التكنولوجيا في زيادة كفاءة التوزيع وتقليل التكاليف، بعد أن أصبحت كل مدينة كبيرة تطبع طبعتها من العدد نفسه في اللحظة نفسها، التي تردها عن طريق الإنترنت من مركز التحرير الرئيسي، ولكن كلفة التوزيع لا تزال تلتهم نسبة كبيرة من ثمن أية جريدة يومية، وتزيد أحيانا على %35!
تعتبر كتابة مانشيت الصفحة الأولى فناً قائماً بذاته، وأحياناً يتغير من طبعة لأخرى، للعدد نفسه، خاصة عندما تتسارع الأحداث المهمة، وتتغير الظروف. كما أن نفسية القارئ تؤثر كثيرا فيما يتم التركيز عليه. وهناك نكتة في هذا السياق عن صحافي كان يسير في حديقة في مدينة نيويورك، عندما شاهد كلباً شرساً يهم بالاعتداء على طفلة صغيرة، وكيف تدخل رجل شجاع وأنقذ الطفلة في اللحظة الأخيرة من موت محقق، ولكنه تعرّض لجروح خطيرة استلزمت نقله الى المستشفى. وهناك لحق به الصحافي وأخذ له بضعة صور، وقال له إن صورته ستكون على الصفحة الأولى من عدد الغد، مع مانشيت: نيويوركي شجاع ينقذ طفلة من أنياب كلب مشرد! فقال له هذا إنه ليس من نيويورك، فقال الصحافي إنه سيغير المانشيت إلى: أميركي شجاع وبطل ينقذ طفلة من موت محقق! فقال هذا إنه ليس بأميركي، فسأله الصحافي عن جنسيته، فرد هذا بأنه باكستاني! وفي اليوم التالي: كان المانشيت: باكستاني إرهابي يفتك بكلب في حديقة بنيويورك.
ملاحظة: أعلن مدير لجنة زكاة الشامية والشويخ، عن مشروع طباعة القرآن باللغة الهولندية. وحث أهل الخير على الإسراع والمساهمة في هذا المشروع الخيري! ونحن هنا نتساءل: أين الجمعية من قضايا ومشاكل واحتياجات «البدون»؟ أين هي من مشاكل التعليم والصحة وعدم قدرة الكثير من الفقراء في الحصول على أدوية باهظة الثمن؟ وهل الموضوع الأهم والأكثر استعجالاً في حياتنا اليوم هو ترجمة القرآن للغة لا يتحدث بها أكثر من 15 مليون شخص؟