مرحلة النصب القادمة
يقول المثل الصيني لا تطعمني سمكة، بل علمني كيف أصطادها!
مرت ثلاثة عقود أو أكثر على بدء الجمعيات، المسماة بالخيرية، بنقل أنشطتها خارج بلدانها، وبالذات جمعيات السعودية والكويت. وتزامن هذا النقل مع زيادة عددها وما بين ايديها من أموال. وقد اختارت غالبيتها «نشر الخير» في الخارج! وكما هو معروف، فإن ضعف الرقابة على مثل هذه الأنشطة، أو انعدامها، شجع نفوسا مريضة كثيرة على التلاعب بأموال الجمعيات وتحقيق الملايين لأنفسها، وسبق أن فضحنا الكثيرين منهم على مدى سنوات. وبالتالي فان السبب الأهم وراء نقل الأنشطة للخارج هو صعوبة متابعة ما تدعي تلك الجمعيات تحقيقه هناك. فمن الذي يمكن أن يؤكد أن عشرات آلاف آبار المياه قد حفرت، أو أن مئات المساجد قد بنيت أو أن عشرات آلاف الدعاة قد جيشوا، أو أن مئات آلاف الكتب الدينية قد طبعت ووزعت؟ لا أحد طبعا! علما بأن هذه الأنشطة في غالبيتها لا معنى ولا مردود حقيقيا لها على أرض الواقع، فلا خلق لوظائف، ولا بناء مصانع. وبالتالي فان ما نراه اليوم من اضطراب امني وهيجان شعبي في مناطق كثيرة، كالبوسنة، التي كانت ولا تزال مقصدا للكثير من «رجال» الجمعيات «الخيرية» يصب في هذا الاتجاه، فقد أرسلت لها مئات الملايين، أو هكذا تدعي أغلب تلك الجمعيات، بحجة مساعدة مسلميها وتقوية موقفهم تجاه الأقلية الصربية، ولكن كما هو متوقع ضاع ما لم يسرق وما لم يصرف على الزواج بفتياتها، على مشاريع لا علاقة لها لا بالتنمية ولا بالتعليم!
وفي هذا الصدد، يقول دبلوماسي كويتي سابق انه قام اثناء عمله بإبلاغ حكومته بخطورة زيادة وتيرة قدوم «رجال» الجمعيات الدينية المؤدلجين لدول البلقان، وخطورة أنشطتهم الدعوية، وصرفهم أموالا طائلة للدعوة لأفكارهم الدينية، بدلا من مساعدة أهاليها وبناء المشاريع لهم. وقال ان غالبية من ذهب لتلك المنطقة من الخليجيين، كانوا غير مخلصين في عملهم، واستثمر بعضهم أموال الجمعيات في مشاريع خاصة كالمشروع الإسكاني الذي تعرض لانزلاقات ارضية خطرة. وقال ان تبرعات بناء المساجد لن تجدي نفعا، فهي هدر للأموال، ولا تصب في مصلحة غير من قام ببنائها، وأن من الأجدى التركيز على المشاريع الصغيرة لخلق فرص عمل!
ولكن، كالعادة، لا حياة لمن تنادي، فلا الجمعيات تود سماع مثل هذا الكلام المنطقي والتحذير الخطر، ولا الخارجية بقادرة على فرض آرائها على الجمعيات، وبالتالي ستتعرض تلك المنطقة لأخطار جديدة وستعود الأوضاع فيها لنقطة الصفر، لتبدأ مرحلة نصب واحتيال جديدة أخرى.