مؤامرة أبو رغيف
يقول الكاتب العراقي «مالوم أبو رغيف»: السياسة مشتقة من ساس يسوس اي يروض الخيل بأساليب وطرق تهدف الى اخضاعها وتغليب خنوعها على احتمالات هيجانها. أما سياسة أو politics بالإنكليزية فهي مشتقة من polis وتعني مدينة في اليونانية القديمة، وحاليا تعني فن إدارة المجتمعات المدنية، ثم اكتسبت مضامين اعمق وأصحبت تعني فن ادارة الشؤون العامة، ولكن المعنى العربي الإسلامي احتفظ بمدلوله ومعناه غير البعيد عن معنى ترويض الدواب، اذ ان قصد وهدف غالبية السياسيين هو التخلص من هيجان وجموح الشعوب وضمان خنوعها. واذا نظرنا للمشهد العربي بشكل عام، فلن نرى للسياسة وجها آخر غير ذلك الذي يربط السائس بالدواب.
ومناسبة هذا الحديث هو ما يكثر التطرق اليه من وجود مؤامرات تحاك ضدنا! فغزو صدام لإيران مؤامرة وغزوه للكويت مؤامرة، فإن كان ذلك الأهبل لم يتعلم من أول مؤامرة، فما هو ذنب من ضحك عليه، ولماذا تورط في المؤامرة الثانية؟ ولو نجح فرد في الضحك على شخص آخر المرة تلو الأخرى هل نقول ان في الأمر مؤامرة أم غباء؟ إذاً المسألة تتعلق بتواضع إمكانات بعض القيادات، وقلة حيلتنا ونقص معرفتنا، وسوء تدبيرنا لثرواتنا، وهذا عامل مشجع للآخرين للتخطيط الى الاستيلاء عليها، والدليل أن ايا من الدول «التآمرية» لم تفكر يوما في الاقتراب من النرويج مثلا، وهي دولة نفطية وصغيرة ومنعزلة ومتخمة باحتياطيات مالية هي الأكبر في العالم، والسبب هو علم ساستها وديموقراطية أنظمتها السياسية، واشتغال سياسييهم بفن إدارة المجتمعات، وليس بتسييس الدواب، والسيطرة على هيجانها! ولو افترضنا أن الربيع العربي كان برمته مؤامرة، والإطاحة بمبارك مؤامرة، وما أكده السفير الفرنسي السابق دوما من تآمر بريطانيا على تخريب سوريا قبل حربها الأهلية بعدة اشهر، لوجب علينا الافتراض أن ما صرح به أيضا يصب في مجرى المؤامرة. ولو قلنا ان كل الربيع العربي هدف لحماية إسرائيل، فما بالها، وكل حلفائها غير قادرين على تحقيق السلام بينها وبين الفلسطينيين؟ ولو آمنا بأن وصول الإخوان الى حكم مصر مؤامرة والانقلاب عليهم خلال سنة واحدة مؤامرة، نكون قد سخرنا من النظرية وبهدلناها. ولو قلنا ان وصول السيسي لرئاسة جمهورية مصر مؤامرة والانقلاب على رئيس وزراء ليبيا مؤامرة، وصياغة الدستور التونسي الجديد، الأفضل في البلاد العربية، هو مؤامرة فإن كتابة هذا المقال هو مؤامرة!
أنا لست هنا بصدد إلغاء النظرية أو إنكار وجود مخططات غربية تتعلق بالاستفادة من عجزنا، ولكن الأمر يتعلق قبلها بضعفنا أكثر من تعلقه بقوة أعدائنا.