تشجيع الاغتصاب

أعتقد أن الاغتصاب الجنسي، وللنساء بالذات، يعتبر في مفهومي التعدي الأقصى على النفس البشرية، وغالبا ما يكون أقسى من الموت، فبالموت تنتهي الحياة وتنمحي التجربة، ولكن تبعات الاغتصاب البشعة تبقى مع الضحية إلى الأبد، ويلاحقها شبح المعتدي عليها، هذا غير تبعات الأمر النفسية والجسدية من حمل وإصابة بمرض معد. وبالرغم من كل ذلك فان المجتمعات الذكورية المتخلفة تتعامل غالبا مع الاغتصاب بخفة واضحة، وتتصرف بقسوة شديدة مع المعتدى عليها، وليس المعتدي، الذي عادة ما ينفذ بجلده، وبفخر!

تقول الكاتبة العراقية منى حسين ان موضوع التحرش الجنسي والاغتصاب قديم جدا وعنوان لصراع ديني وسياسي. وكل يوم هناك جريمة اغتصاب، والضحية دائما وابدا امرأة، فإن دافعت عن نفسها أو صمتت فهي مدانة. وتشير في مقالها في موقع «الحوار المتمدن»، لما تعرضت له مهندسة ديكور ايرانية بالغة من العمر 22 عاما، التي تعرضت لمحاولة اغتصاب، مع سبق الاصرار والتصميم، ولكنها دافعت عن نفسها ورفضت أن تكون مغتصبة، فقاومت وتمكنت من قتل من حاول اغتصابها، وكانت النتيجة أن «المحكمة الدينية» الذكورية في وطنها حكمت عليها بالإعدام، ربما لأنها رفضت تدنيس كرامتها وإنسانيتها ووجودها، وهي لو رضيت واستسلمت لمغتصبها لما كان مصيرها بأفضل من ذلك، فغالبا ما كان أخ أو اب سيقوم بالانتقام منها، لأنها دنست «شرف» الأسرة، ولا يغسل العار بغير قتلها، والأمثلة من حولنا، في الأردن والمغرب وباكستان وأفغانستان والخليج، أكثر من أن تعد أو تحصى.

وتتساءل الزميلة عن سبب هذا التمييز، ولماذا يسمح «قانون غسل العار»، غير المكتوب غالبا، في دولنا للرجل بقتل من يشك بشرفها، وإن دافعت وانتقمت من مغتصبها تدان فورا ويحكم عليها بالاعدام؟ وتستطرد، من دون الإجابة عن السؤال بطريقة مباشرة، بأن التحرش والاغتصاب بات امر بشعا ومؤلما، ويعبّر عن مدى همجية مجتمع الطبقات الذي يضع قوانينه من يمثلون الذكورية والتمييز والتعصب، مستندين الى تشريعات تبيح لهم الاعتداء على المرأة في كل وقت وزمان، واغتصاب طفولة الصغيرات والقاصرات عموما، ليس بعيدا عن ذلك، هذا غير التعدد والانتقاص، وكل ما له علاقة بإهانة انسانية المرأة واذلالها بحجج تفتقد أدنى متطلبات المنطق من خلال وصفها بالغاوية، وأن مكانها البيت، وإن خرجت فبغطاء يخفيها عن أعين الرجال، ويبعد ميل الاغتصاب عنها.

إن المجتمعات التي تعاقب المرأة ان اغتصبت وتعاقبها بالقدر نفسه إن دافعت عن شرفها وإنسانيتها، وصحتها، هي مجتمعات لا يمكن أن تتقدم، وما علينا غير النظر حولنا، وسنعرف حينها وضعنا، وشقيقاتنا، في هذا العالم الواسع!

الارشيف

Back to Top