سنغافورة والخصوصية والزبالة
تبلغ مساحة سنغافورة 710 كلم2، أكرر 710 كلم2 فقط، ومع هذا يبلغ ناتجها القومي 330 مليار دولار، وهذا يجعل دخل الفرد فيها الأعلى في العالم، واكبر من دخل الفرد في الكويت، التي تبلغ مساحتها 25 ضعف سنغافورة، وتحقق دخلا قدره 270 مليار دولار من مورد طبيعي سهل لم تكتشفه ولم تستخرجه، ولا تعرف حتى كيف تستفيد من عوائده بطريقة حكيمة.
سكان سنغافورة ينقسمون إلى ثلاث اقليات أكبرها الصينية، ولغتهم المندرين، وهم بوذيون، والمسلمون الماليز، ويتحدثون بها، والتاميل، ويدينون بالهندوسية، وتجمعهم جميعا اللغة الإنكليزية، إضافة الى لغاتهم. وليس لسنغافورة أية موارد طبيعية وتشكو من ندرة كل شيء وارضها بالكاد تكفي لإيواء سكانها البالغ عددهم 3.5 ملايين، ومع هذا تتمتع بأرفع مستوى معيشة وباقتصاد قوي وصناعة راسخة ووضع تجاري وملاحي مريح ومربح، وتعتبر الدولة الأنظف في العالم والأندر في الفساد الإداري، والسر وراء كل ذلك إيمان مؤسسها العظيم لي كوان يو، الذي سبق ان سعدت بلقائه وقراءة مذكراته، بالتعليم المميز الذي يمكن أن يخلق شعبا قادرا على تحقيق المستحيل، وهذا بالفعل ما حدث، حيث تعتبر سنغافورة اليوم رائدة في التعليم، خاصة في العلوم الحديثة والرياضيات. وقد قامت الكويت، كما فعلت عشرات الدول الأخرى، والمتقدمة في غالبيتها، بالاستعانة بالخبرات السنغافورية، واستقدمنا فريقا من خبراء التعليم قبل فترة لدراسة الوضع لدينا، وخرج الفريق بمجموعة توصيات تتعلق بضرورة تغيير محتويات المناهج بصورة جذرية، وبشكل جاد. وإعطاء التكنولوجيا دورا أكبر، كأداة ومادة، في النظام التعليمي. والتركيز على تدريس الإنكليزية كلغة ثانية إلى جانب اللغة الأم، والتخلي عن نظام تقييم المعلمين الحالي الذي يمنح الجميع تقريبا درجة الامتياز، عشوائيا. ولكن ما إن اطلع وزير التربية (والتعليم) الكويتي الهمام على هذه التوصيات حتى رفض حتى مجرد التفكير في دراسة إمكانية تطبيقها، مؤكدا أن الدراسات والأهداف يجب أن تنطلق من متخصصين من اهل الكويت لأنهم أدرى بخصوصية المجتمع الكويتي!
وهنا يثير رفض الوزير عدة تساؤلات: إذا كانت للكويت خصوصيتها، وفيها متخصصون من اهلها أعلم من غيرهم بها، فلم لم تتم الاستعانة بهم؟ وأين هم؟ ولماذا لا نطبق الأمر ذاته على الطب مثلا، على قاعدة خصوصية المجتمع الكويتي نفسها ومعرفة أهلها بتلك الخصوصية، ونتوقف عن الاستعانة بالأطباء غير الكويتيين، أو استخدام الأدوية والأجهزة الطبية الغربية واليابانية وحتى الصينية؟
وإذا كانت هذه الخصوصية هي التي تقف في طريق أن نصبح سنغافورة، فلم لا نرميها في سلال الزبالة، أو تحتها، كما اعتدنا؟!