الوزير والمواطن الفرنسي
قرر مواطن فرنسي ألا يأكل أو يشرب أو يستخدم أي مواد أو آلات من غير صنع فرنسي %100، اكتشف بعد فترة أنه من الاستحالة العيش بصورة طبيعية، أو حتى قريبة منها، إن أصر على رأيه، فقد وجد صعوبة في الحصول على سيارة أجرة فرنسية مثلا، وحتى إن وجدها فإن بعض قطع غيارها غير وطنية. وقد تسبب إصراره على استخدام مركبة أو طائرة فرنسية في تأخير وتأجيل الكثير من مواعيده، والانتظار في البرد، أو تحت المطر أحيانا ليجد سيارة حسب شروطه. مع تكرار مصاعبه قرر تعديل شروطه وتخفيض النسبة إلى %50، وهنا وجد الوضع أقل معاناة، ولكن المشاكل استمرت بعد ان اكتشف ان الدراجة الفرنسية التي اشتراها للتنقل بها، بدلا من الاستعانة بالتاكسي، %60 من قطعها مصنوع في الخارج. كما أن كل ما تقع عليه عيناه في البيت أو العمل أو حتى في الشارع فيه نسبة او أخرى من قطع غيار أو يد عاملة غير فرنسية، وهكذا اضطر مع الوقت للتخلي عن فكرته بعد أن تبين له استحالة التقيد بها بسبب التداخل الشديد في اقتصادات الدول، واستعانة كل دولة بمنتجات الدول الأخرى الغذائية والصناعية. يحدث هذا في دولة من بين الثماني الأعظم، صناعيا وزراعيا، في العالم، فكيف بدولنا الخليجية التي تخلت مع الوقت حتى عن خياطة النعل النجدية!
ما دفع فرنسا وغيرها، وإن بنسب متفاوتة، لأن تلجأ الى المنتج الأجنبي، دفع بنا وبغيرنا لفعل الشيء ذاته، وليس في ذلك ما يعيب، فاليابان تستورد غالبية احتياجاتها، ولكنها تصدر أكثر منها بكثير. ولكن قبولنا باستيراد كل شيء، من أغذية ومركبات وطائرات وكمبيوترات وأدوية وملايين السلع الأخرى من الخارج لم تدفع يوما اي مسؤول حكومي، وبالذات السيد وزير التربية والتعليم، للتساؤل عن سبب قدرة الدول الصناعية العظمى على أن ترسل لنا ملايين أطنان الأدوية والمواد الغذائية والأجهزة والمركبات، وعجزنا في الوقت نفسه عن أن نرسل لها اي شيء غير البترول الذي نستخرجه من أرضنا بمعداتهم وتقنياتهم؟ وما سر تقدم بضع دول صناعية وتأخر غيرها؟ الجواب يكمن في المنهج الدراسي! فأوروبا واميركا لم تتقدما لأن عضلات مواطنيهما أكبر، أو لأن ألوان عيونهم أفتح، أو لأن جبالهم أعلى أو لأن رقابهم اطول، بل لأن مناهجهم الدراسية أفضل. وحيث اننا قبلنا، طوعا أو جبرا، باستيراد الطحين ومعجون الأسنان وطلاء الأظافر منهم، فلم لا نستورد المناهج الدراسية أيضا التي عن طريقها تمكنوا من صنع وإنتاج كل شيء تقريبا؟ وإن كان السيد الوزير يعتقد ان «العقلية الكويتية» اقدر من غيرها على تعديل المناهج الدراسية، وحتى من خبراء التعليم في سنغافورة مثلا، فلم لم تتمكن تلك العقليات أن تفعل شيئا مع كل هذا التخلف الذي نعيشه؟
والسؤال الآخر: هل يفهم هؤلاء حقا ما نحاول توضيحه هنا؟