الحرف العربي والغربي

عندما قام القائد التركي الفذ أتاتورك، وتعني أبو الأتراك، في ثلاثينات القرن الماضي بإلغاء الأحرف العربية من الكتابة التركية، وأحل اللاتينية بدلا منها، ثارت ثائرة بعض المتشددين وتخوفوا من أن هذا سيؤدي مع الوقت لأن ينسى الأتراك هويتهم الدينية، ويضعف من قدرتهم على قراءة القرآن، وغير ذلك من المحاذير. ولكن تبين، وبعد أكثر من ثمانين عاما، أن شيئا من ذلك لم يحدث، فلغة القرآن العربية كانت غريبة عليهم عندما كانوا يكتبون لغتهم بالأحرف العربية، وبقيت كذلك بعد تغيير تلك الأحرف، ولكن العقيدة في نفوسهم بقيت بالقوة نفسها، والدليل أن الأتراك، ومنذ 11 عاما وهم يختارون حكومة يديرها رئيس اكبر حزب ديني إسلامي فيها. وبالتالي أثبتت التجربة وغيرها أن مطالبة الكثيرين، ونحن منهم وأقلهم علما، بضرورة تطوير اللغة العربية، وإدخال تعديلات جذرية عليها، لتكون أكثر مواءمة مع العصر، مطالبة جديرة بالتفكير. كما نعتقد أنه حتى مع تغيير حروفها من العربية إلى اللاتينية فلن يغير هذا ما في النفوس، في ما يتعلق بالدين، والدليل الأقوى من المثال التركي يكمن في حقيقة أن %80 من مسلمي العالم ليسوا بعرب، ولا يكتبون لغتهم بأحرف عربية، ومع ذلك لم يؤثر هذا في حقيقة زيادة إصرارهم، ومنذ أكثر من الف عام، على التمسك بدينهم أو معرفتهم بكتبهم المقدسة.

حركة كمال اتاتورك الثورية في طريقة كتابة التركية دفعت في حينها بعض المستنيرين العرب الذين سئموا من تخلف مجتمعاتهم وبعدهم عن الدول المتحضرة، للدعوة إلى أن تحذو الدول العربية حذو تركيا، ومطالبتهم بكتابة العربية بالأحرف اللاتينية، لأن ذلك سيجعلها أقرب لتراث وعلوم اللغات الأوروبية والأميركية، ويفتح لها خزائن العلوم المدونة بتلك اللغات، وسيساهم ذلك أيضا في تطوير الفكر العربي وتقدم الدول العربية، خصوصاً أن اللغة العربية، كما ذكرنا، تفتقد عدة أحرف عالمية. كما ان الكتابة بالأحرف اللاتينية ستقضي تماما على معضلة التشكيل والنطق السليم، وهي معضلة يشكوا منها %99 من الناطقين بالعربية. وشئنا أم ابينا فإن العصر هو عصر الحرف اللاتيني، فبغيره لا يمكن لأي فرد أن يتنقل في العالم بسهولة ويعرف الإشارات والإرشادات، أو يحصل على تصاريح الزيارة، أو يتعامل بالبطاقات الائتمانية أو يعرف القواعد العالمية ويتعامل مع المصارف الأجنبية أو يستخدم الإنترنت، إذا لم يكن ملما بدرجة أو بأخرى باللغة الإنكليزية، فهي لغة الحضارة والعصر الحديث.

الارشيف

Back to Top