سايكس والعقير

لم يبق أحد تقريبا من المحللين السياسيين لم يكتب عن نوايا «القوى الكبرى» في تقسيم الدول العربية، وكأن ليس هناك دول أخرى في العالم يتطلب الأمر الاهتمام بتقسيمها غيرنا. والكلام اليوم عن تقسيم العراق، مثلما كان يدور أثناء حرب العراق وإيران، وخلال حرب أميركا في العراق، وهو نفس الذي قيل في «عز» الحرب الأهلية السورية، وعن حتمية تفتيتها لدويلات، ولا أدري لماذا يعتقد البعض أن الغرب يسعى الى تقسيم الدول العربية، فهل نحن حقا بكل هذه المنعة والقوة والاستقلال والسيادة، وعدم الانصياع لطلبات واوامر الغرب، بحيث يتطلب الأمر سعيها الحثيث الى تقسيمنا، ليسهل حكمنا واستغلال ثرواتنا؟

والحقيقة اننا لم نتعب يوما من وصف الاستعمار بشتى النعوت السيئة، وإدانة أفعاله التي ادت الى خلق الكيانات العربية الحالية، او الحدود الدولية المعترف بها، وبالتالي نالت اتفاقية «سايكس بيكو» ومعاهدة «العقير» حظهما من الشتم واللعن، لدورهما في عملية تقسيم الدول العربية، متناسين أن كيانات تلك الدول كانت أصلا متنافرة، ولم تكن يوما موحدة أو معروفة الحدود، فهيمنة السلطة العثمانية عليها مسح عنها هويتها، والجزيرة العربية لم تكن استثناء من ذلك، فقد كانت بمجملها عبارة عن قطاعات مقسمة بين القبائل التي أتاحت لها قوتها، أو ظروف تاريخية معينة، حكم هذه المنطقة أو تلك. ولولا قلم المستر سايكس، وحبر المسيو بيكو، ومسطرة السير بيرسي كوكس، لبقيت الحروب بين حكام هذه الكيانات مشتعلة حتى اليوم.

ومن المعروف أيضا أن معاهدة العقير، التي تم توقيعها في ديسمبر 1922، بين الملك عبدالعزيز بن سعود (سلطان نجد حينها) والوزير صبيح بك، ممثلا عن ملك العراق، وبين السيد جون مور، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، ممثلا حاكمها، وتحت إشراف السير بيرسي كوكس، تخللتها مشاحنات وتلاسن وحدة خاصة بين العراق والسعودية، في ما يتعلق بما تشمله حدود كل طرف من أراض جديدة، أو ما يستقطع منها. ودفع طول الخلاف وشدة الجذب السير كوكس الى أن يأخذ قلماً، ويقوم بشكل عشوائي تقريبا بوضع، أو فرض، حدود دول أطراف الاتفاقية، من دون التفات الى احتجاجاتهم، وحتى دموع البعض منهم! ولولا خطوته تلك لكانت ربما، ليس فقط الخلافات، بل الحروب القبلية بينها باقية حتى اليوم.

ومعروف أن اتفاقية سايكس بيكو قد تم توقيعها عام 1916، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا على اقتسام دول الهلال الخصيب، وما حولها، التي كانت تحت سيطرة العثمانيين قبل انهيار دولتهم، وهكذا حصل الفرنسيون على حق حكم سوريا ولبنان، وحولوهما الى جمهوريتين لأن فرنسا جمهورية، وحصل البريطانيون على العراق والخليج، وجعلوها ممالك، ووضعوا فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ومنحوا تركيا، الجمهورية الوليدة، أجزاء من سوريا، وبالتالي كانت الاتفاقية تتعلق باقتسام وحدات مشتتة أصلا، وليس تفتيت وحدة كبيرة واقتسامها، والفرق بين الحالتين كبير.

من كل ذلك نرى أن كل ما نال اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها من شتم وانتقاد لم يكن منصفا، فقد كان لها دورها في تهيئة «كيانات» المنطقة للاستقلال، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي كانت تستعمرهم، وبغير ذلك كانت ستشتعل بين «لوردات وشيوخ وزعامات» تلك الكيانات، حروب لا نهاية لها.

الارشيف

Back to Top