بداية الانهيار التركي
كانت تصرفات تركيا تجاه منطقة الشرق الأوسط بالذات، في السنوات العشر الأخيرة، مصدر تساؤل لدي، خاصة بعد ان رفض الاتحاد الأوروبي فكرة انضمامها إليه، ويا ليته قبل بذلك، لكان توجه تركيا اليوم مختلفا عما هو عليه الآن.
حيرتي بددها مقال نشر في النيويورك تايمز، 28/ 8 بقلم بهلول اوزكان behlul ozkan، ذكر فيه أنه كان في أواخر عام 1990 يدرس لنيل شهادة في العلاقات الدولية من جامعة مرمرا، وأن واحدا فقط من بين كل اساتذته كان معارضا قويا لفكرة انضمام وانصهار تركيا في الاتحاد الأوروبي. وكان البروفيسور مميزا في مادته في الفلسفة الإسلامية والغربية. وكان يستمتع بقضاء ساعات في مناقشة اهتماماته مع طلبته. وكان يعتقد أن تركيا سوف تبرز كقائد للعالم الإسلامي، مستفيدة من موقعها الجغرافي، ومن فخرها بتراثها التاريخي. والآن، وبعد 14 عاما يصبح ذلك البروفيسور أحمت أوغلو ahmet davutoglu رئيسا لوزراء تركيا الجديد. والغريب، يقول بهلول، انهم عندما كانوا يستمعون للبروفيسور أوغلو كانوا يتخيلونه يتكلم عن قصص خيالية، وليس تحليلات سياسية، مستشهدا ببريطانيا التي خلقت امبراطورية، بعد خروجها من حروبها الأهلية في القرن 17، وألمانيا التي أصبحت قوة متحدة يحسب حسابها، بعد أن كانت متشرذمة، وبالتالي كان أوغلو يعتقد أن بوسع تركيا، التي كانت حينها تعاني من التضخم والنزاعات الداخلية والحرب مع الأكراد الانفصاليين، أن تصبح دولة قوية ومهابة. وقد وضع أوغلو أفكاره تلك في كتاب صدر عام 2000 بعنوان «استراتيجية العمق» وضح فيه ان تركيا لا تدرس التاريخ بل تقوم بكتابته، وهي دولة لا تقع ضمن المحيط الغربي، بل في قلب «الحضارة» الإسلامية! وهذا ما تنبأ به أوغلو، وسعى لأن تكون تركيا لاعبة رئيسية، تدير الآخرين، بدلا من أن تكون مخلبا.
واليوم، وبعد ان اصبح الرجل الأقوى في وطنه، ينظر إليه الكثيرون، وربما ينظر هو لنفسه، كسلطان عثماني جديد، ووريث للسلطان عبد الحميد الثاني.
ما يهمنا ذكره في مقالنا هنا، أن رئيس وزراء تركيا السابق، رجب طيب اردوغان، تأثر بنظرية «أحمت أوغلو»، وعمل بها، وعلى أساسها عين أوغلو وزيرا للخارجية، قبل أن يختاره رئيسا للوزراء، وإيمان اردوغان وأوغلو بدور تركيا الجديد، كزعيمة للعالم الإسلامي، سيجلب الخراب لمنطقتنا ولها، برأيي، فانغماسها الواضح في قضايا المنطقة المتشابكة وحروبها الدينية والطائفية، بعد أن أصبحت طرفا في كل نزاع، سيعجل حتما بخرابها، فهي ليست افضل من غيرها، ولا أقوى ممن حاولوا أن يكون لهم دور ففشلوا، يجرون أذيال الخيبة، تاركين وراءهم شعوبا مقهورة قبل وجودهم وبعد مغادرتهم.