خطيئة محمد إقبال!
يقول عالم الأحياء رتشارد داوكنز إن من أكثر الأمور إثارة للاهتمام ليس وجود خالق، بل وجود كل هذا العدد من المؤمنين. فهناك أكثر من 10000 دين، وأتباع كل منها يعتقدون بأنهم على حق، ويبدو أن كره هؤلاء بعضهم بعضاً هو جزء من الإيمان. وقبل 500 عام تقريبا قام مارتن لوثر، وهو من أكبر المصلحين الكنسيين، بوصف اليهود بأنهم «عائلة من الأفاعي». وطوال قرون كنّ المسيحيون عداءً شديدًا لليهود، وأدت تلك الكراهية فى نهاية الأمر لمذابح الهولوكوست. وفي 1947 لقي أكثر من مليون شخص حتفهم، وغالبيتهم، ذبحاً، عندما قسمت الهند لدولة للهندوس، وأخرى للمسلمين.
شاع اسم «إقبال» في باكستان، ليس لدور صاحبه محمد إقبال كمفكّر وشاعر، بل غالبا لدوره في تحقيق انفصال بلاده عن الهند. ولد إقبال في سيالكوت بولاية البنجاب عام 1877، وانحدر من أسرة كانت تدين بالهندوسية، ولكن أجداده اعتنقوا الإسلام في عهد السلطان زين العابدين عام 1473. بفضل وضع اسرته المميز تمكّن إقبال من تعلم الفارسية والعربية في صغره، إلى جانب اللغة الأوردية، والأوردية هي اللغة الهندية نفسها، ولكنها تكتب بالأحرف العربية والفارسية، بينما الهندية تكتب بالأحرف السنسكريتية. وبينما نجد الأوردية متأثرة بالعربية وألفاظ القرآن الكريم، نجد الهندية متأثرة أكثر بالإنكليزية.
ارسل إقبال إلى أوروبا للدراسة، وحصل على الدكتوراه من جامعة ميونخ، ولكن شغفه بالأدب، واهتمامه بأحداث بلاده السياسية في ذروة الصراع الهندوسي المسلم، أبعداه عن مجال دراسته، حيث أصبح من كبار المنادين بانفصال مسلمي الهند في دولة مستقلة، وهو الذي اقترح لها اسم باكستان، أي الأرض الطاهرة (!!). لم يطل العمر بإقبال، حيث توفي عن 60 عاما في 1938 بعد أن اشتهر شاعراً وملهماً لفكرة الانفصال. وعلى الرغم من أنه يوصف بالمفكر، فإن اللقب كبير عليه، فقد كان سياسيا، ومحاميا ضليعا، ولكن تأييده لفكرة تقسيم الهند لدولتين، التي أصبحت ثلاثاً بعدها، لم تتسم بالحصافة، فقد تبين تاليا أن الانفصال تسبب في قتل الملايين وتشريد الأكثر، ولا تزال شبه القارة الهندية تشكو من ذلك القرار الأهوج والعنصري، برأيي.
غنت أم كلثوم من شعر إقبال «حديث الروح»، وهي جزء من قصيدة «شكوى وجواب شكوى»، التي نشرت في ديوان صلصلة الجرس، ونقلها للعربية من الأوردية، الشاعر الصاوي شعلان، علما أن غالبية اشعار إقبال، إن لم تكن كلها، كتبت بالفارسية، إلا قصيدتي شكوى (1909) وقصيدة جواب شكوى (1913)، والتي كتبت بالأوردية، التي يعتبرها بعض الباحثين بين روائع الأدب العالمي، وسبق أن أثارت لغطا كبيرا بين مواطني الشاعر في حينه.
يقول في بعض أبياتها:
حديث الروح للأرواح يسري
وتدركه القلوب بلا عنـاءِ
هتفت به فطار بلا جناح
وشق أنينه صدر الفضـاء
ومعدنه ترابي ولكن
جرت في لفظه لغة السماءِ
لقد فاضت دموع العشق مني
حديثاً كان علوي النداءِ
فحلّق في رُبَى الأفلاك حتى
أهاج العالم الأعلى بكائـي.