جريمة التصوير.. والرجل الأحمر
سبق أن صدرت فتاوى من معظم كبار «علماء» العالم الإسلامي، تحرم تصوير الإنسان بأي صورة كانت، تمثالا، لوحة، صورة فوتوغرافية، أو فيلما. وعندما قررت مجموعة من الفنانين ورجال الأعمال إنتاج فيلم «الرسالة»، اضطروا لطلب موافقة رجل دين «كفيف» على ذلك، وذهبوا بالفعل لمقابلته وأخذ «بركته»! حدث كل ذلك قبل فترة ليست بالبعيدة، ولكن صنوف الدهر ومجريات الزمان أجبرت هؤلاء الحواة نفسهم، أو الدعاة الى تغيير نظرتهم وتبديل مفاهيمهم، والقول ان التصوير ليس حراما ولا يؤدي بصاحبه الى النار، وحدث ذلك بعد أن اكتشف هؤلاء الدعاة كيف حقق من اختلف معهم في حرمة التصوير الملايين من خلال مقابلات صحافية وتلفزيونية، والمشاركة في تقديم البرامج في القنوات الفضائية «السخية»، وكيف روجوا كتبهم، وفي أكثر المواضيع سطحية و«إثارة»! وهكذا انهارت، بين عصرية وعشاها، جبال فتاوى منع التصوير أمام ضغوط خراطيم مياه البترودولار، كما انهار خط بارليف، وقبلها خط دفاع ماجينو الفرنسي الشهير أمام جيوش مصر وألمانيا!
ولكن الخاسر الأكبر كان كل أولئك الذين صدقوا تلك الفتاوى في حينها، وحرقوا جميع صورهم العائلية الحميمة، واتلفوا ذكريات صباهم التي لا يمكن استرجاعها أو تعويضها، وفعلوا ذلك خوفا من عقاب السماء، ثم تبين تاليا أنهم كانوا من الخاسرين! وغني عن القول ان هذا النهي، والنهي المضاد، تكرر مع عشرات القضايا والمسائل الأخرى، وتكرر معها «ضحك» او تغرير بعض رجال دين بعقول مواطنيهم، الذين قبلوا منهم «أي كلام» من دون تفكير. ولا ننسى هنا التطرق للفتوى المضحكة التي سبق أن اصدرها أحد اقوى المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر، بعد الإطاحة بنظام مبارك، الذي كاد أن ينجح في الانتخابات، لولا الكشف في آخر لحظة عن كذبه في مستندات ترشحه، وهي الفتوى التي حرم فيها تناول مرطب شهير بحجة أن اسمه هو اختصار لجملة «ادفع كل سنت لتحمي إسرائيل»، غير مدرك أن تاريخ تسمية ذلك المرطب سابق لتأسيس إسرائيل بنصف قرن تقريبا! ولكنه تنازل عن فتواه بعدها، بعد قبض المقسوم! والطريف أيضا في الموضوع الابتكار الجديد المتعلق بإشارة مرور راقصة وموسيقية، حيث قامت شركة أوروبية بإنتاج إشارة عبور مشاة تبين رجلا يرقص على أنغام موسيقية، عندما تكون إشارة العبور حمراء، وتتوقف الموسيقى ومعها الرقص، عندما يصبح اللون أخضر، ويسمح بعبور الشارع. والغرض هنا هو تسلية المشاة، وهم بانتظار ظهور الإشارة الخضراء، واشغالهم عن العبور الخاطئ. وأكاد اجزم بأن هذه الفكرة الذكية ستلقى معارضة شديدة من بعض الدعاة لدينا، بحجة أنها تحتوي على موسيقى ورجل راقص، وهذه وتلك حرام! وبالتالي ما على من يرغب في تسويق مثل هذه الإشارات في دولنا إلا إغراء من «في بالي وبالك»، ليصبح شريكا معه، وبقليل من «دهن السير» لغيرهم، سيجد سوقا رائجة لهذا الابتكار، وقد ينجح في إصدار فتوى مضادة تجيز المصلحة العامة فيها استخدام هذه الإشارة.
هكذا تتم الصفقات التجارية في الدول المتخلفة!