إشكالية الكاتب وسيرته
لست أفضل من غيري حتما، وربما ليس هناك داع لذكر هذا الأمر، ولكن موضوع وسياق المقال تطلب ذلك، وهذا يتعلق بحساسيتي المفرطة فيما يكتبه البعض وعلاقته بحياتهم الخاصة، وربط ما يقومون بكتابته بتاريخهم السياسي أو العملي، وإن بشكل عام، وبمجمل تصرفاتهم، حيث يصعب علي شخصيا قبول أي عمل إبداعي، خاصة إن كان كتابيا وهادفا، إن كانت سيرة ومواقف الكاتب، السياسية مثلا، متناقضة مع مجمل ما ينادي به. ولدينا عدد لا بأس به من الكتاب في العالم العربي، الذين عندما نقرأ لهم نشعر بالسرور لوجود أمثالهم بيننا، ولكن ما أن نقترب منهم أكثر أو نقرأ سيرهم الذاتية حتى يتلاشى ذلك الاعجاب ليحل الألم والخيبة محله.
قد يقول قائل ان لنا ما يكتبه المبدع وما يسطره قلم الناقد، او ما يدلي به المحلل السياسي، أو ما يخرجه النحات أو يؤلفه الموسيقي أو ينتجه الفنان السينمائي، أو يشدو به الشاعر، وبالتالي لا شأن لنا بحياته الخاصة وما يؤمن به أو يحتفظ به من آراء، وهذا قد يكون صحيحا مع جميع المبدعين إلا فئة الكتاب والمحللين السياسيين، فمن الصعب الشعور بالارتياح عند قراءة مقال لهؤلاء يتضمن مدحاً لشخص أو نقداً لآخر من دون أن ينتابنا شعور بالارتياب، حتى لو كان مدحه او ذمه صحيحين، فعلامات الاستفهام سرعان ما تتقافز أمام أعيننا مثيرة عشرات الأسئلة عن صحة التحليل، المدح أو الهجوم، والغرض الخفي وراءه، وهل يكتب لأن جهة ما طلبت منه ذلك لقاء مقابل ما؟
الأمثلة على التناقض بين سيرة الكاتب وما يكتب أكثر من أن تحصى، وقد يكون احدها حالة شاعر العامية المصري المعروف أحمد فؤاد نجم، الذي لم تشفع له، بنظري المتواضع، كل اشعاره السياسية، في تبرير موقفه من الدكتاتور الحقير صدام حسين، الذي مدحه وشد من أزره في أكثر من موقع. ولا أدري حقيقة سبب ولع نسبة كبيرة من شعوبنا بأمثال صدام، وإلى درجة الوله! ربما بسبب الطريقة التي تربى بها هؤلاء، وما عانوه في صغرهم من ظلم، فاصبحت شخصية الدكتاتور ما يودون أن يكونوا عليها لينتقموا من كل من أساء اليهم.
كما أن هناك كاتبة ووزيرة إعلام لم تتردد في الوقوف يوما إلى جانب صدام والإشادة به، وربما لا تزال معجبة به. ولكن هل موقفي هذا ينسجم مع إنسانيتي؟ وهل أنا محصن أكثر من غيري ضد مختلف المغريات؟ وهل كتاباتي مجردة من كل غرض شخصي؟ اسئلة عديدة تتصارع داخلي ولست بقادر على الإجابة عنها بصدق، فالإجابة ليست سهلة، والمشاعر المختلطة في داخلي تتجاذبني ذات اليمين وذات الشمال، وحتى ذات الشرق وذات الغرب. فمن كان منكم بلا خطيئة فليرجم الخطائين بحجر.