المسيحيون والنحاسة الكويتية
تقول انعام كجه جي، في رواية «طشاري» الجميلة، واصفة حياة أسرة طبيب لبناني مسيحي عاش وأسرته في العراق في الخمسينات «.. تبدو الست لوريس، التي كان ابوها وكل أشقائها اطباء، تفاحة مستوردة لا تشبه التفاح المحلي الأبيض. فاكهة ذات رائحة تفوح حولها حيثما تحركت، ويثير عطرها الاستفهام في أعين ضيفاتها، جاذبية تدفعك للدنو منها لتنشق عبقها العجيب. تتكلم الفرنسية مع زوجها وأبنائها، والعربية مع ثريا، المربية الطباخة وكاتمة الأسرار والمدبرة. تسافر لوريس إلى لبنان صيفا هربا من طلع النخل وزهيرات النارنج بسبب حساسيتها. وهناك تتسوق من بيروت وتصعد إلى زغرتا. وعندما تعود نذهب للسلام عليها. تدور ثريا علينا بفناجين القهوة وصحون المعمول بالفستق. وتفوح رائحة القرنفل والورد البلدي في ارجاء فيللا فرنجية، وتطفو تويجات الزارقي فوق الطبق الخزفي وتشرئب أزهار بنت القنصل في المزهريات تاركة نثارها على المفارش المشغولة بالكروشيه. تزيح ثريا الستائر المصنوعة من طبقة مخملية واخرى شفافة والمضمومة بحبال حريرية مفتولة ومزركشة عند الجوانب، وتفتعل الزائرات سببا لدخول الحمام الذي لا يشبه مكانا للاغتسال، فلا طشت ولا اباريق ولا طاسات وقباقب بل مغطس تنتشر على حوافه قناني الشامبو وقطع الصابون المعطر، وقوالب زهرية وفستقية بلون الستارة الشفافة وبانتوفات مخملية ومناشف مطرزة ونجوم قوالب وأهلة وبطات وأرانب. وعندما ينكشف باب غرفة النوم يرون لوحة امرأة عارية الظهر تأخذ مكانها على الجدار. تعود النساء إلى أهاليهن ليروين ما شاهدن من أفانين في بيت اللبنانية». انتهى النقل بتصرف.
إن المسيحيين، كما يصف أهالي جدة مدينتهم، «غير»! غير في حياتهم في تصرفاتهم في تسامحهم في جمال بيوتهم في كرمهم الأقرب للتبذير في اعتزازهم بهويتهم، في صغر اسرهم النووية، في اهتمامهم الشديد بتعليم ابنائهم، في إصرارهم على إتقان اكثر من لغة مع مهارة العزف على آلة أو اكثر. ويقول عديلي اللبناني: في الجنوب مثل قديم نصه «البلد اللي ما فيها نصارى خسارة»! أي الضيعة التي ليس فيها مسيحيون خاسرة.
اكتب هذه المقالة بمناسبة اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة، واتذكر أن حكومتنا كانت، وربما لا تزال، تطالب الفنادق بالحصول على تصريح يتجدد شهريا، إن هي رغبت في عزف البيانو في بهو الفندق. ولكن التصريح الملعون ينتهي في شهر ديسمبر في يوم 24! والهدف هو منع العزف في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، وهذه نحاسة كويتية معروفة! فهل لا يزال ذلك القانون ساريا؟