المال المعطل
عنوان المقال مشتق من تخريجة اجترحتها قريحة مناصري حزب الله في لبنان كشرط لمشاركتهم في الحكومة كأقلية، حيث اشترطوا أن يكون لمن يمتلك ثلث الأصوات تعطيل صدور أي قانون حتى لو حصل ذلك القانون الثلثين الباقيين. ولكن «الأموال المعطلة» هنا شيء آخر.
نجح آية الله الخميني عام 1979 في الإطاحة بنظام بهلوي الذي أسسه رضا عباس قلي خان، المعروف برضا شاه، والد آخر شاه، محمد رضا. واختار رضا شاه اسم بهلوي، وهو اسم اللغة الفارسية القديمة، لقبا لأسرته، معتقدا أنها ستعمر طويلا، ولكنها لم تدم لأكثر من نصف قرن بقليل! وقد نجح الخميني في ثورته بسبب فساد نظام الشاه، وبما كان يحصل عليه من تبرعات وخمس وغيرها، والتي كانت ترد إليه ولعدد من كبار آيات الله المؤيدين له. ولكن بعد إمساك هؤلاء بموارد الدولة المالية الضخمة، أصبح تحصيل مثل هذه الأموال أمرا ثانويا، وبالتالي أخذت غالبيتها تضيع بين المساعدين والأعوان. ولو نظرنا إلى تأثير أموال التبرعات والخيرات والخمس في المجتمعات التي تصل إليها، والأكثر حاجة لها، نجد أن هذه المبالغ التي يدفعها عادة الأثرياء، للمراجع «العظام»، لا تستغل في الغالب الأعم في المجالات الأكثر أهمية كالتعليم، سوى جزء صغير يصرف على طلبة المدارس الدينية (الحوزات). وهذا يفسر افتقاد مجتمعات شيعية عدة لوجود مؤسسات تعليمية مميزة فيها. فلم تعرف مناطق كثيرة في العراق وجنوب لبنان والبقاع اللبناني، الشيعية في غالبيتها، بالرغم من وجود أثرياء وخيرين كبار فيها، مدارس ثانوية مرموقة او جامعات او حتى معاهد مهنية عالية، والسبب ان هذه الأموال «شبه محرم» صرفها على غير أعمال الخير، حسب مفهوم المرجع، وهذه لا تشمل التعليم التقليدي حتما. كما أن بعض رجال الدين، ومن واقع تجربة شخصية سبق أن مررت بها وكتبت عنها، «يحرمون» قيام المتبرع بالصرف على اي مشروع تعليمي، بل يصرون بقوة على أن تدفع هذه المبالغ لهم، فهي حقهم الخاص، حسب نصهم الديني، ولهم حق صرفها على ما يرونه مناسبا، وبالتالي ربما لا حاجة هناك للسؤال عن سبب تخلف مناطق وتقدم اخرى ضمن الدولة الواحدة، متى أصبح التعليم أمرا غير حيوي وغير مهم.