الإرهاب الخاسر
أحمد الصراف
يقول الكاتب الإيراني اليميني أمير طاهري، الذي شغل رئاسة تحرير اكبر صحيفة في عهد الشاه، قبل أن يطيح الخميني الاثنين، إن الإرهاب لا يمكن أن يربح، حتى لو ولّد حرارة، فحرارته لا تنتج ضوءا. ويقول في مقال له ان الخميني اصدر عام 1947، عندما كان ملا من الحجم المتوسط، فتوى اهدر فيها دم احمد خسروي. ولم يتأخر ثمانية من «المؤمنين» في تنفيذ جريمة القتل بعد أشهر. وكان خسروي من كبار المثقفين الايرانيين ورجلا نهضويا وحقوقيا فذا، ومؤرخا مرموقا، وخطيبا مفوَّها، واستاذا في النثر الفارسي، ومؤلفا لكتب كانت الأكثر مبيعا. ويعتقد طاهري أن الغيرة من مكانة خسروي وانتشار كتبه، مقارنة بالعدد المحدود من قراء كتب الخميني، كانت السبب وراء كل ذلك البغض. ولا ننسى دور خسروي الكبير في إعطاء الايرانيين قراءة مغايرة لتاريخهم وثقافتهم، وإخضاعه المذهب الشيعي لتمحيص نقدي دقيق. ويستطرد طاهري قائلا إن الخميني أصبح بعد ثلاثة عقود سيد ايران، وقامت قواته بإعدام اعدائه الحقيقيين والوهميين، وبالآلاف. وجمعت كتب خسروي من المكتبات والمجموعات الخاصة وأحرقت، وعبث جلاوزة النظام حينها بقبره. ولكن الأيام أثبتت أنه كان أقوى من قتلته، فقد عادت كتبه للانتشار، والاستئثار بقلوب الإيرانيين، والأقرب لقلوبهم والأكثر قراءة، حسب قوله، في حين أن كتب الخميني الأميّ.ة على نحو محرج، التي تنشرها الحكومة بطبعات باهظة الكلفة وكثيرا ما تُوزع مجانا، لا تُقرأ ابدا لأنها عصية على القراءة. وهذا يبين أن الإرهاب لا يجدي على المدى البعيد، بل هو في الواقع أداة السياسيين الكسالى فكريا. وسلاح القتل هو الأكثر فعالية عندما يكتشف الطاغية (أو الجاهل) عجزه واتباعه عن تحدي المثقف في الميادين الفكرية والقانونية والتاريخية والأدبية وغيرها. فما كان بمستطاع الخميني أن يؤلف كتابا بمستوى أي من كتب خسروي، أو ينافس معرفة خسروي بالفقه الاسلامي والتاريخ الايراني من دون سنوات من الدراسة الجدية، غير المتوافرة في قم، ومن دون انضباط فكري لم يكتسبه يوما. وما فعله الخميني فعله جميع الطغاة والمهووسين دينيا في التاريخ. فعندما فشل الخميني في تجاهل رواية سلمان رشدي، سيئة البناء وغير المقروءة، وعجز عن الإتيان برواية محكمة الحبكة وحسنة الصياغة، دعا لقتل رشدي. وعندما فشلنا في تحدي فيلم «تيو فان كوخ» الوثائقي المثير للجدل بفيلم أفضل، قررنا طعنه حتى الموت، وهكذا. ويقول إن العقلية الكسولة نفسها هي العاملة هنا ايضا. فالإرهابي يعرف أنه غير قادر على بناء حضارة بديلة قادرة على التنافس مع الحضارة التي يحتقرها فلا يجد أمامه حلا غير تدمير ما يسبب مهانته.