الحجرف والراشد ومعرفي.. والباندا (*)
أحمد الصراف
علمياً، الإنسان حيوان ناطق، ولكن بعض علماء الاجتماع يرون أنه حيوان اجتماعي. وقال غيرهم إنه حيوان ضاحك، ولكنه بقي في نظر الحكام المستبدين، وفي منطقتنا بالذات، حيواناً فقط، وتم التعامل معه على هذا الأساس. أما في الدول المتقدمة فالوضع مختلف، فهي لم تكتف. بالتعامل مع الإنسان بتحضُّر، بل وعاملت الحيوان بالطريقة نفسها، لعلاقة بقاء نوعه ببقائنا على الأرض، خاصة بعد أن رأت كيف تعرّضت أنواع كثيرة من الحيوانات للانقراض، ولم يكن مستغرباً بالتالي صدور قانون في فرنسا يساوي تقريباً بين حقوق البشر والحيوانات، هذا غير ما قامت به دول عدة من تخصيص مساحات من أراضيها كمحميات لحفظ النادر من طيورها وحيواناتها. كما تمنع دول أخرى صيد أو اقتناء حيوانات معينة بسبب خطر تعرّضها للانقراض. ويبدي العالم المتحضّر اهتماماً بحيوان الباندا الرائع والمسالم، الذي لا يتعدى عدده اليوم المئتين تقريبا، خوفاً من أن يختفي نوعه تماماً.
في الكويت، ومع فارق التشبيه، كان عندنا، قبل فترة ليست بالبعيدة، أعداد كبيرة ممن تميزوا بجميل خلقهم وأمانتهم وإخلاصهم في عملهم. ولكن عدد هؤلاء بدأ في التناقص في العقدين الأخيرين، وأصبحوا معرَّضين للانقراض. وسبب ذلك يعود إما الى عزوف السلطة عن الاستعانة بخبراتهم، بسبب تميزهم بقوة الشخصية والاستقلالية والإصرار على تطبيق القانون، على الجميع. وإما الى عزوفهم عن العمل الحكومي بعد أن رأوا، وخبروا عن قرب، ما تعرّض له، تقريبا، كل من تقلَّد المنصب الحكومي من تضييق. وبالتالي أصبحت لدينا ندرة في عدد الوزراء وكبار الإداريين وأعضاء مجالس إدارات الشركات والهيئات الحكومية، الذين يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم. وأصبحت الحاجة ماسة للمحافظة على من تبقى منهم، وتشجيعهم لكي لا يتلوثوا بالبيئة الإدارية الفاسدة، وكما حمت الحكومة الطيور وغيرها من الانقراض، عليها، من باب أولى، حماية الشرفاء من خطر الانقراض، رحمة بوطننا وبمستقبل الأجيال القادمة وببقائنا، فإصلاح الإدارة بغير هؤلاء عملية مستحيلة، وكشف سراق المال العام، وسارقي كهرباء المجمعات التجارية والراشين والمرتشين ومشتري أصوات الناخبين، لا يمكن أن يتم بغير وجود أمثال هؤلاء الشرفاء من إداريينا الذين تقع عليهم مسؤولية حماية مجتمعاتنا من الانحطاط، والانقراض، وهم هنا بأمسّ الحاجة الى المساندة والتشجيع الحكومي لكي ينتجوا، وهذا لا يمكن أن يتم بغير قرار واضح من السلطة بالمحافظة على «نوعيتهم» والإكثار منهم.
(*) على سبيل المثال لا الحصر «نايف الحجرف وفهد الراشد وطلال معرفي»، وأمثالهم كثر!