الشيخوخة السعيدة
أحمد الصراف
إذا كنت دون الخمسين فلا تهتم بقراءة هذا المقال.
الشيخ والشيخوخة والشيبة والكهولة والمشيب والطاعن في السن والعجوز جميعها تعني الوصول إلى عمر متقدم، وما قد يعنيه ذلك من تراكم المعرفة والخبرة، وربما الحكمة. والوصول إلى الشيخوخة قد يعني الوصول إلى أرذل العمر وأصعب مراحله، أو إلى أكثر فتراته سعادة وعطاء. فقد أبدع الكثيرون من المشاهير وهم في مرحلة متقدمة من العمر كبيكاسو وبابلو نيرودا وغارسيا الذين شكّلت آثارهم ومخترعاتهم ومكتشفاتهم عصارة فهمهم للحياة. وبالتالي، الخيار لنا في جعل هذه الفترة من العمر غماً وهماً وشكوى وحسرة وتأففاً وندماً، أو أن نجعلها مملوءة بالسعادة والأمل والنشاط وحتى بالإنتاج. فالكهولة هي وضع نفسي أو حالة مزاج، وأن علينا أن نعرف كيف نتمتع بالحياة طالما كان بمقدورنا ذلك، وألا ننتظر إلى أن تصبح حركتنا صعبة، بل علينا تحريك أنفسنا وزيارة المدن والسواحل والجبال والوديان التي طالما أردنا أو حلمنا يوماً بزيارتها. كما علينا القيام بجهد كاف لكي نلتقي برفاق الدراسة والعمل ورفاق العمر الذين اضطرتهم الظروف إلى العيش بعيداً عنا، وأن نتسامر ونضحك معهم ونسخر من الحياة ومن الكبر ومقالبه وهفواته، فليس هناك وقت كثير باق لنا في هذه الدنيا. وما لدينا من مال في المصرف قد لا يكون في الحقيقة ملكنا. وعندما تحين الفرصة لصرفه على شيء أو شخص نحبه، فيجب ألا نتردد في ذلك.
كما علينا التعامل مع الأمراض بتفاؤل، سواء كنا أغنياء أو فقراء، وألا ننسى أن الجميع يولد بالطريقة نفسها، ويعيش حياته ويموت، ولا مفر من هذا المصير الذي لم يستطع عتاة الطغاة وكبار المرسلين وأشرس الدعاة، وفاحشو الثراء تجنبه، فلمَ الحزن إذن؟
قد لا يكون بإمكاننا السيطرة على أجسادنا، وحماية أنفسنا من المرض والعجز، ولكن لدينا حتماً القدرة على التحكم بمزاجنا، بحيث نكون متفائلين متى ما اقتنعنا أن الحزن لا يمكن أن يحمينا من مصيرنا المحتم، وأن القلق لا يشفينا أو يؤجل رحيلنا، ولا يطيل من أعمارنا، وإن كان القلق سينقذنا من الموت، فأهلاً به. والأهم من كل ذلك أن نقوم، قبل أن تحين ساعة رحيلنا، بتسوية كل أمور حياتنا العالقة، وألا نترك شيئاً للحظة الأخيرة، لأننا لا نعرف متى ستأتي. كما من المهم أن نتأكد بأننا نغادر هذه الحياة بغير ندم أو حقد. وقد قمت شخصياً، مع قلة ما أملك، بتوريث أسرتي أكثر ما لدي من مال ومتاع لكي لا ينتظروا يوم يرثوني، ولم أطلب منهم شيئاًَ غير العناية بي وإكرامي في شيخوختي، وهم سيفعلون ذلك لأنهم تربوا عليه.