القاتل والقتيل
تعليقا على الهجوم الانتحاري الذي تعرض له مصلون شيعة في مسجد القديح بالسعودية، والذي لم يكن إلا تحصيل حاصل، وامتداد لأفعال وأقوال اشد خطورة سبق وأن وقعت في تلك المنطقة ولم يكترث أحد لها، انتشرت على الإنترنت كلمة لغاندي قال فيها بأنه كلما اتحد شعب الهند ضد الإنجليز ذبحت بقرة وألقيت بالطريق، فينشغل الهندوس والمسلمين بالصراع ويتركون الاستعمار! وبالرغم من صحة هذه المقولة إلا أنها لا تعدو أن تكون تسطيحا للأمور، فالموضوع اعمق واخطر من خلق فتنة.
لقد قمنا وغيرنا، وطوال أكثر من عشرين عاما، بالمطالبة بتطبيق العلمانية، أو على الأقل، الحد من نفوذ الجماعات الدينية المتطرفة، وتنظيف المناهج من النصوص الداعية لكراهية الآخر، ومنع خطباء المساجد من الخوض في السياسة أو تكفير الآخرين، ومنع نشر ودعم الكتب الدينية المتطرفة، ولكن للأسف لم يلتفت أحد لما كتبنا، بل ومنع نشر مقالاتنا أحيانا، وما نشر منها لم يسمح لنا فيها بذكر أسماء المتطرفين، من مفتين ورجال دين، وفي أحيان أخرى طمست أسمائهم، لسبب او لآخر، وبالتالي استمرئ الكثيرون من سفهاء مناطقنا سكوت السلطات عن تصرفاتهم فغالوا في تطرفهم.
إن الإنتحاري الذي قام بتفجير نفسه في مسجد، أو بيت من بيوت الله مليئ بالمصلين، بعد ان اقفل باب المسجد خلفه، لم يكن ربما جاهلا ولا غبيا ولا مشردا ولا جائعا ولا مهوسا دينيا، بل كان ابن مدارس الدولة التي علمته، والبيئة التي ربته، والمسجد الذي طالما احتضنه، وقارئ كتب "فقهائه وعلمائه"، ومطبق فتاوى رجال دينه. وبالتالي ليس من العقل ولا المنطق ولا الإنصاف الاكتفاء بإدانة عمله وترك غيره، فهو في الحقيقة لم يقم بغير قتل من وصفوا، طوال عقود، ولن نقول قرون، وحتى لحظة كتابة هذا المقال، وما سيأتي بعده، وصفوا بالرافضة والفئة المشركة والضالة والكافرة، والذين أفتى كبار علماءه بأن حتى يهود إسرائيل افضل منهم!
إن القضية لا تتعلق بقتل بقرة ورميها في الطريق لخلق فتنة، بل بما هو أعظم واكبر. فنحن بحاجة لخلق ثقافة وبيئة دينية إنسانية مخالفة تماما لما اعتدنا عليه. فجميع المواطنين ، وفي أية دولة إسلامية كانت، يجب أن يتساووا في "كافة" الحقوق والواجبات، فليس عدلا ان ندين من يقتل مواطنا لاختلافه مذهبيا معه، أو عنه، ونسكت عن الدولة نفسها قد سبقت ذلك المواطن "القاتل" في تصنيف القتيل بدرجة ادنى بكثير!
انظروا حولكم وستجدوا أن مصنع الحقد والكراهية هي غالبا الدولة التي تفرق بين مواطنيها، أو التي تتغاضى عمن يفرق بينهم. نصمت هنا ففي الفم ماء كثير!