أعيدوا للكويت سابق ليبراليتها
«.. قبل التفكير في قوانين ضد الإرهاب، لا بد من قوانين تواجه العنصرية والتمييز الذي يمارس بحق طوائف وفئات في العمل والتوظيف والصلاحيات والترقية وتوزيع القوة والتمثيل والحقوق والواجبات..» شفيق الغبرا.
***
لا شك في أن هناك ما يميز الكويتي عن كثيرين غيره، ويعطيه تلك المساحة الإبداعية التي لا تتوافر في شعوب كثيرة، مع الاحترام للجميع. ولو استمرت الكويت في مسيرتها النهضوية، التي بدأت مع نهاية الستينات، لكانت اليوم أكثر تميزاً.
ما منح الكويت ذلك التميز، دون مبالغة كبيرة، هي مساحة الحرية التي طالما تمتع بها شعبها طوال تاريخه، وبالذات مع بداية الحياة النيابية. كما كان ولا يزال لتعدد وتنوع الخلفيات العرقية والثقافية والمذهبية والدينية للكويتي أثره. وثالثاً وأخيراًَ، ما تميز به الكويتي، تاريخياً، من قدرة على كسب عيشه، دون اعتماده على موارد الدولة.
في تجربة الغزو الصدامي الحقير التي استمرت سبعة أشهر خانقة، برزت صلابة الشعب ورفضه للاحتلال. وكان مفاجئاً ما أبداه من استعداد للتضحية بالكثير، ومقاومته الشرسة للمحتل، وهو أمر لم يكن متوقعاً ممن اعتاد على الرخاء في عيشه. كما أن رفض، حتى كويتي واحد، التعاون مع قوى الاحتلال، شكّل ظاهرة تاريخية نادرة، وأصبحت المسألة مدعاة أكثر للفخر عند معرفة أن جيش الاحتلال، وربما لأول مرة في التاريخ، كان أكبر في عدده من عدد الكويتيين الذين بقوا تحت الاحتلال!
خرجت الكويت بعد تجربة الغزو أكثر قوة وأفضل حالاً من ناحية التركيبة السكانية والتلاحم الوطني والتآزر الأخوي، ولكن بعض السياسات الحكومية الخاطئة، ورفض محاسبة أي مقصر، قضت على كل تلك الإيجابيات التي ضاعت تحت كومة من الأخطاء، وأخطرها كان تسليم البلد للتيار الديني المغالي في تعصبه، ليذهب بنا للهاوية، أو أدنى قليلاً!
ثم جاءت كارثة العمل الإجرامي في مسجد الصادق، الذي هز وجدان كل كويتي «شريف»، ليطفو التفرد الكويتي إلى السطح ثانية، وبشكل قلّ نظيره، ولكن يبدو، وقبل أن تمر عشرة أيام على الحادثة، أننا لن نتعلم من درس مسجد الصادق الكثير، بعد أن فشلنا في أن نتعلم شيئاً من تجربة الغزو المريرة!
نعم، لقد خسرت الكويت في الحادثتين الإجراميتين أرواحاً غالية، ولكنها خرجت أقوى في الحالتين، وطالما أننا فرطنا في دروس الغزو، فعلينا، على الأقل، الاستفادة من دروس جريمة الصادق، وألا تضيع أرواح الشهداء ودماء المصابين سدى، وأن نعيد الكويت لما كانت عليه في ستينات وسبعينات القرن الماضي من تألق، وأن نحوّل المأساة لانتصار، ونعيد البهجة والبسمة لوجه الكويتي والكويتية، وهذا لا يمكن أن يتم بسياسات المجاملة الحالية ومحاولة إرضاء «الجميع». فحجم الكارثة يتطلب عقلية جديدة وتفكيراً جديداً، وحكومة جديدة.