الفساد وتأثيره على المعهد
">التحديث والديموقراطية من الأمور التي لا تحتمل التأجيل! فلا نستطيع التعلل بأن الوقت غير مناسب لتطبيق الديموقراطية، لأن «الشعب غير واع»، أو التعلل بجهل الشعب، فنؤجل التطوير والتحديث. ولكن تطبيق هذين الأمرين يصبح مأساة متى ما أسند الأمر إلى غير أهله، خصوصاً في المجالات العلمية. فالبعض يطالب مثلاً بالاستعانة بتقنية توليد الطاقة من خلال بناء مفاعلات نووية، وهذا قد يكون جيداً، ولكن من يضمن عدم تدخل نائب أو متنفذ وتولية غير الكفؤ لإدارة هذا المرفق الخطير؟
في عام 1967، عهد الكويت الجميلة، صدر مرسوم إنشاء «معهد الكويت للأبحاث العلمية». وكان دوره رائداً ومستقبله واعداً. ولكن ككل مرفق، بدأ تراجع أدائه مع التراجع العام في أداء بقية مرافق الدولة، بسبب الفساد الإداري، وزيادة تدخلات النواب والمتنفذين في التعيينات العليا، ولم يشفع للمعهد طابعه العلمي في النأي به عن التدخلات السياسية.
يعمل في المعهد حالياً، بعقود دائمة ومؤقتة، أكثر من ألف موظف وفني وعامل، أنفقت الحكومة على رواتبهم ما لا يقل عن ملياري دولار، كانت تكفي لجعل الكويت، خلال نصف قرن من عمر المعهد، دولة متقدمة، إلكترونياً على الأقل! ولكن جل المبلغ ذهب كرواتب وبهرجة، وما تحقق ليس بالكثير، ونتمنى أن نكون على خطأ.
وهنا لا نهدف إلى التجني على أحد، ولكن وضع المعهد، ومن خلال تقارير ديوان المحاسبة، ومناقشات مجلس الأمة، بلغ حداً غير مسبوق من السوء. فمنجزات إدارته الحالية اقتصرت تقريباً على شبه إنجاز مبنى «الإدارة»، بتكلفة 15 مليون دينار، الذي لا يمت تصميمه إلى العلم بصلة، والذي سيمتلئ قريباً بالعاطلين عن العمل، إضافة إلى الاستعداد لترسية مشروع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، أو مشروع الشقايا، الفاشل مبدئياً!
والمؤسف أن أياً من وزراء التربية السابقين لم يحاول التصدي لأداء إدارة المعهد، ولقلة منجزاته «العلمية»، واقتصار عمله على إنجاز المعاملات الحكومية التي تعرض عليه. إلا أن نشر تقرير ديوان المحاسبة حرّك مياه الفساد الراكدة، فتحرك وزير التربية الحالي، وشكّل لجنة للنظر في ما ورد في التقرير من مخالفات، وأوقف التجديد للمدير العام، الذي سعى بدوره جاهداً للبقاء في منصبه كما تردد اعلامياً، من خلال استعطاف المراجع العليا، لكي يبقى ربما حتى ترسية مناقصة مشروع «الشقايا» الخرافي في تكلفته، وتواضع المتوقع منه، ولكي يتمكن من افتتاح مبنى الإدارة الجديد، ولكن المراجع رفضت التدخل!
المؤسف أن المعهد واجه في السنوات القليلة الماضية استنزافاً لخبراته، وحتى الذين أوفدوا للخارج لتلقي التعليم والتدريب، عادوا، ولكن للعمل لدى جهات أخرى. وهذه هي النتيجة الطبيعية لإسناد الأمور لغير أهلها!
ملاحظة: تقرر، بعد انتظار دام 55 عاماً، إصدار شهادات الميلاد على شكل بطاقة ذكية. هذا يعني أن علينا الانتظار 235 سنة أخرى للانتهاء من تطوير بقية المستندات!