الكي.. آخر العلاج
بالرغم من كل نداءات وتوسلات المسؤولين، الحكوميين، من بقي منهم ومن استقال. وبالرغم من تحذيرات الخبراء الماليين، وبالرغم من كل ما كتب، على مدى ربع القرن الماضي، عن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي، والسيطرة على الرواتب والأجور، وضرورة خفض الدعم، أو حتى رفعه، على مختلف المواد والخدمات، وضرورة فرض الضرائب لترشيد تصرف المواطن والمقيم، فإن الحكومة لم تكتف بتجاهل كل تلك الدعوات والمطالبات، بل زادت الصرف الباذخ، وكأن دخل الدولة أبدي سرمدي، وأن أسعار النفط لن تنخفض أو تقل قيمته مع الوقت، أو ينضب!
لم يستغرق الأمر طويلاً لنكتشف كم كانت الحكومة على خطأ! فبالأمس القريب فقط رفع وزير واحد بقرار فردي رواتب موظفي وزارته ليصبح متوسط ما يحصل عليه الموظف 4500 دينار، أي 15 ألف دولار تقريباً، وهو أعلى متوسط راتب في العالم يحصل عليه من لم يبلغ حتى الثلاثين من العمر! ولتكرر الزيادات بعدها في مختلف الوزارات والجهات الحكومية الأخرى ولتغرق البلاد في موجة غلاء لا مخرج منها، ثم ليتبع ذلك تراجع مخيف في أسعار النفط، ولتتوج كل تلك «الإنجازات» بتوقف إنتاج النفط في المنطقة المقسومة، لتصل خسارة الدولة إلى %50 من دخلها السنوي، ولتنكشف عورتنا المالية، على الملأ!
يقول المثل: ان تأتي متأخراً، خير من ألا تأتي أبداً! وبالتالي، من الضروري اللجوء إلى الكي، وهو آخر العلاج الشعبي، للسيطرة على الوضع المالي المتدهور للدولة. وهنا يتطلب الأمر وجود من يمتلك الشجاعة والسلطة لقلب الطاولة وفرض ما ترددت الحكومات المتعاقبة عن فرضه منذ سنوات. فبند الرواتب الذي ينهش موازنة الدولة لا يمكن أن يستمر على وضعه، فإما تعديله، وليتأثر من يتأثر، وإما أن يتم خفض قيمة الدينار تدريجياًَ، لسد جزء كبير من عجز الموازنة الحالي والمتوقع أن يرتفع أكثر.
كما أن الأمر يتطلب فرض ضرائب على الدخل، ليس فقط لدعم مالية الدولة، بل لكون الضريبة أداة ترشيد لسلوك أفراد المجتمع. فهذا الصرف الأسري المسرف جداً على الطعام والشراب واللباس، وعلى السفر واقتناء الفاخر من السلع، والإصرار على التوسع الأفقي في السكن، وبناء قلاع وليس بيوتاً فقط لسكن أسر صغيرة، وغير ذلك الكثير من التصرفات غير السليمة، يجب أن يتوقف ويوضع له حد.
أعلم أن ما اقترحه هنا، حتى لو طبق جزء منه، سيتسبب في الضرر بالكثيرين، وربما خلق حالة كساد، ولكنه الكي الذي لا مفر منه.