يوم طال عمري
على الرغم من أن الكويت عرفت لأول مرة، مع نهاية القرن التاسع عشر، نوعاً من جوازات السفر التي كانت تدوّن في البعض منها سنة ميلاد حاملها، والتي لم تكن تزد على ورقة موقّع عليها من «الحاكم» يطلب فيها من سلطات الدول الأخرى تسهيل مروره، فإنها، مثل بقية دول المنطقة، ربما باستثناء إيران، لم تعرف التدوين الرسمي لتواريخ ميلاد مواطنيها إلا أخيراً، وذلك مع تطبيق نظام شهادات الميلاد، وما تبعها من صدور بطاقات الهوية. وحدهم مسيحيو المنطقة كانوا على علم بتواريخ ميلادهم بسبب نظام التعميد الكنسي، واحتفاظ الكنيسة بسجل مواليد أتباعها، وهو ما لم يتبع يوماً لدينا لأسباب معروفة.
وبالتالي، يمكن القول إن هناك شكاً في التاريخ الدقيق لميلاد أغلبية من ولدوا في المنطقة قبل ستين عاماً أو أكثر، والذين غالباً ما كان يستدل على أعمارهم اعتماداً على الذاكرة أو بربطه بحدث معين، كالقول إن فلاناً ولد سنة «الطبعة»، أو بعد سنتين من سنة الهدامة، أو قبل أو بعد الحرب الفلانية بسنة، وهكذا.
وحسب علمي، فإن تاريخ ميلادي تم تحديده من واقع ما قام جدي، لوالدي، بتدوينه على غلاف مصحف، من الداخل، ولكن التدوين كان بالهجري. وقمت قبل نصف قرن تقريباً بالاستعانة بجدول أصدره الفلكي صالح العجيري في حينه، لمعرفة المرادف لذلك اليوم والسنة بالميلادي، وهكذا تم اعتماد ذلك التاريخ. ولكني حصلت، أخيراً، على مستندات بيّنت أنني ولدت قبل عامين من التاريخ المدون في هويتي. وبالتالي، فإنني سأحتفل ببلوغي السبعين، ولكني في الحقيقة في الثامنة والستين!
قد يرى البعض أن هذا «الاكتشاف الأثري» لا يعني الكثير، ولكن بالتمعن في الجوانب الفلسفية للموضوع نجد أنه يعني الكثير. فعملياً لم أبلغ بعد «أرذل العمر»، وهو السبعين ربما. وإنني لا أزال «شيخ الشباب»، كما يقال باللبناني. وأن أكون أصغر بسنتين مما كنت أعتقد، يعني أن مختلف الأعضاء في جسدي المبارك ستعمل، من الناحية النفسية على الأقل، بنفس كفاءتها الحالية لسنتين إضافيتين.
سعادتي بهذا الاكتشاف أربكتني، أيضاً، وذكرتني بما يروى عن برنارد شو وأخيه التوأم وليم. فعندما كانا طفلين رضيعين، قامت أمهما بغسلهما في حوض ماء كبير. انزلق أحدهما من يديها وبلغ الماء بالصابون ومات مختنقاً! لم تعرف الأم أي التوأمين بقي على قيد الحياة، فقررت لسبب ما أن تعتبر أن جورج هو الذي بقي حياً. وهنا يقول برنارد شو: «إنه بقي طوال حياته يتساءل، هل هو جورج أم هو وليم؟».
وأنا أتساءل اليوم، هل أنا في السبعين، كما تقول هويتي الرسمية، أم في الثامنة والستين، كما يجب أن أكون؟