مطار ابن رشد
كتبت الزميلة المصرية فاطمة ناعوت، 23 أغسطس 2015، مقالا جميلا، نورد جزءا منه بتصرف، ونعلق عليه:
عند تجولك في شوارع مدينة قرطبة الاسبانية، ستجد على يمينك مدرسة averoues، وأمامك جامعة averroues، وبعد برهة ستمر في شارع averroues الذي ينتهي بميدان averroues، وهلم جرّا.
أفيروس، أو بالإنكليزية averroes، ليس ممثلا أميركيا، ولا نجماً في ريال مدريد، ولا شاعراً إنكليزياً كبيراً، ولا رساماً فرنسياً من عصر الرينيسانس، ولا روائياً روسياً عظيماً، أو موسيقاراً ألمانيّاً مبدعاً يستحق التخليد، بل هو شيخ عربي مسلم اسمه: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد.
ولد ابن رشد في قرطبة الأندلسية عام 1126، ومات عام 1198 منفياً حزيناً في مراكش، بعدما طُرد من بلاده، كعادة العرب مع مبدعيهم. كان ابن رشد طبيباً وفيزيائياً وفلكياً وفيلسوفاً وقاضياً، واحتفى به الغربُ لأنه كان كلَّ ما سبق، ولمساهمته في نهضة أوروبا وصناعة إشراقتها، حين شرح لهم فلسفة أرسطو التي طمرتها القرون، وكاد يطويها النسيان. أما لماذا حاربه المسلمون ونفوه وحرقوا تراثه وأغفلوا سيرته حتى نسيه التاريخ الإسلامي والعربي عمداً؟ فلأنّه أيضاً لكل ما سبق من صفاته، ولأنه حاول أن يخرج قومه من صندوق العقائد والتراث. ولهذا ذبحوا تاريخه واغتالوا إرثه، لأنه ارتكب جريمة لا يسامح بها ولا يغفرها المشعوذون، أي التفكير في مجتمع يكره التفكير ويمقت العقل. فهو الذي قال «الحقُّ لا يضادُّ الحقَّ. الدينُ حقٌّ والفكرُ والفلسفةُ حقٌّ. والحقّان لا يتضادان». فرماه الجهلاءُ بالكفر والزندقة، وأحرقوا كتبَه النيّرة، وحرق هو بقية كتبه يأساً، حين أيقن أن مَن حوله لا يستحقونها. ولو تم سؤال أيٍّ من التكفيريين الذين يُشهرون سيوفهم في وجوه المثقفين المستنيرين: «هل تعرفون ابن رشد؟». فالإجابة ستكون حتما النفي. لكنهم بالطبع يعرفون أسماء جهلاء طبّقت شهرتُهم الآفاقَ، من الذين يؤكدون أن الشمس تدور حول الأرض، وأن الأرض مستوية، وفوقها السماء، وأن القمر نجم منير! (انتهى الاقتباس).
ولو نظرنا إلى الكويت لوجدنا ربما مدرسة باسم ابن رشد، وربما تغير اسمها الآن! والذي اطلق في الزمن الجميل الذي مضى. ولو قرر أحد اليوم اطلاق اسم هذا العالم والفيلسوف الكبير على محل بيع أحذية لما رخص له.
وبمناسبة حفلة جنون إطلاق ما هب ودب من اسماء على الشوارع والطرقات والمباني والمستشفيات، فإنني ألفت نظر الجهات «المعنية» بهذا الموضوع إلى حقيقة أنها نسيت تماما إطلاق ما هب ودب من اسماء غير معروفة على الموانئ الكويتية الجوية والبحرية والبرية، التي لا تزال، لأجل الصدف، وربما لأن غالبيتها بعيدة، على وضعها منذ نصف قرن، او يزيد!