لماذا قهوجي؟
نعت جريدة النهار اللبنانية الرصينة الفنان والمؤلف المسرحي غازي قهوجي، وقالت إن الساحة الثقافية والفنية اللبنانية حزينة لرحيل الفقيد قهوجي، الذي توفي بعد صراع مع المرض، وأن مراسم الدفن ستجري له في مدينة صور بجنوب لبنان.
ينتمي قهوجي لعائلة سُنيّة معروفة، وكان من مواليد عام 1944، وكان أول لبناني ينال إجازة جامعية في فن ديكور السينوغرافيا وعلم البصريات الفنية، كما نال ماجستير ودبلوم الدراسات العليا المعمقة، ودكتوراه في الفنون التطبيقية.
عمل قهوجي أستاذاً أكاديمياً في الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية، وكان المدير والمشرف الفني العام لفرقة الرحابنة والسيدة فيروز، وشارك في العديد من أعمالهم طوال عشرين عاماً، إضافة إلى تعاونه مع فرقة فهد العبدالله في تصميم الأزياء والديكور.
كانت له مساهمات في عدد من المهرجانات اللبنانية كمهرجاني بيروت وصور، وعمل مصمماً مشهدياً في المسرح والسينما والتلفزيون، وهو عضو مؤسس للحركة الثقافية في لبنان. قدّم أيضاً برنامجاً إذاعياً بعنوان «قهوجيات»، وكتب العديد من الأفكار للإذاعة للبنانية، إضافة إلى أبحاثه في تاريخ العادات والتقاليد، وتقديمه عدداً من الكتب الشعرية.
وقال عنه صديق يعرفه، وكان له دور في دعوته إلى الكتابة في القبس، حيث كان له عمود أسبوعي استمر لعشر سنوات تقريباً، إن هذا الرجل بقي كالطود صامدا، رغم شراسة الظروف التي تعرَّض لها شخصياً، ومحنة وطنه لبنان، فقد كان مناهضاً للطائفية، رافضا الاستزلام لأية زعامة، وفياً لإنسانيته وفنه واحترامه لنفسه والنَّاس.
ولكن لم أكتب هنا نعياً لشخصية لبنانية قلما يعرفها أحد في الكويت، والجواب سهل في جانب منه، ومعقد في جانب آخر. فقهوجي عاش حياته فناناً صادقاً وأميناً لفنه، والفنان في منطقتنا مظلوم ويستحق الإشادة به أكثر من غيره.
أما السبب الآخر، الأكثر تعقيداً، فيتعلق بشخصية الفقيد، فقد كان من القلة، في وطن أكلته الطائفية ونخره الفساد، التي بقيت بعيداً عن الأولى، ومحصّنة خلقياً من الثانية.
ونعينا له هنا هو نعي لكل شخصية نظيفة، سواء في لبنان، الذي نحب، أو في الكويت، التي نحب وإليها ننتمي، والتي أصبح فيه أصحاب الضمائر الحية والسيرة الطيبة، بين كبار المسؤولين، من الرجال والنساء، في تناقص مستمر ومقلق! فلا يمر يوم من دون أن نسمع أو نقرأ خبراً عن رشوة مسؤول، واستغلال متنفذ لمنصبه، وتهريب ثالث لمطلوب من المنافذ، وصدور حكم على وزير، وتزوير رجل دين لشهادته، وكم آخر هائل من قضايا النصب والاحتيال نتيجة استشراء خراب الذمم! ورغم كل هذا الكم من الفساد، الكويتي بجدارة، لا يجد صاحبنا المتخصص في كتابات النعوات، شيئاً سيئاً واحداً فيمن «يدبج» نعواتهم، فجميعهم شرفاء، وطيبون، وجميعهم أفنوا حياتهم في أعمال الخير، واشتهروا بالتقوى والصلاح، وكأننا شعب من الملائكة! وقد نكون كذلك، ولكن من يا ترى الذي يرتكب كل هذا الكم الهائل من المخالفات والسرقات التي تمتلئ بها صحفنا يوميا؟ ومن الذي يمتلك الشركات الورقية ويتاجر بالبشر ويساعد مهربي مختلف أنواع السموم، ويبيع المأكولات الفاسدة؟ لا شك أنهم كويتيون، ولكنهم حتماً من الأشباح، فنحن نسمع بها، ولكن لا نراها!