لماذا جورج أبونا؟
">في مقالي عن ابنة المهاجر البوسني، التي أصبحت وزيرة تعليم السويد، وهي المسلمة التي لم تبلغ الثلاثين من العمر، ذكرت في العنوان اسم «جورج أبونا»، دون أن يرد له ذكر في النص. وتساءل الكثيرون عن السبب، وإن كان هناك سهو، والحقيقة أن الأمر كان مقصودا، وادى دوره..
«جورج أبونا» ليس طبيبا ونطاسيا شهيرا، بل هو الدليل الصارخ على مدى «قلة وفائنا» وعدم إنسانيتنا. رجل يستحق أن يقال عنه انه خدم البشرية بخبرته في عالم نقل الأعضاء، والكلى بالذات، ولا تزال يده الكريمة تعمل، بعد أكثر من نصف قرن، بعد ان تجاوز 82 من عمره الجميل.
ولد د. ابونا عام 1933في مدينة «قوش» العراقية القديمة، وانتقلت أسرته، وهو طفل، للعيش في بغداد، حيث اكمل تعليمه وحصل على بعثة لبريطانيا. وعلى غير رغبته فرضت حكومته عليه دراسة الهندسة، التي تخرج منها عام 1956.
طموحه لأن يصبح طبيبا دفعه للبقاء في بريطانيا، لكن المعونة الحكومية قطعت عنه، وكان ذلك سببا في قراره عدم العودة للعراق.
رفضت الجامعة مساعدته في الرسوم، فلم ييأس بل عمل في مطعم ليلي، وأكمل دراسة لسنتين، وأهلته علاماته المميزة في الحصول على منحة، وتخرج طبيبا عام 1961 من جامعة «درم».
يقول في مقابلة له انه استفاد كثيرا من تخصصه في الهندسة والطب، حيث ساعده ذلك في ممارسة عمله الجراحي، وفي اختراع «جهاز الكبد الصناعي»، ليكون بديلاً مؤقتا عن الطبيعي، وكان الجهاز إنجازا افتخرت به جامعته، دفع اشهر الأطباء للاتصال به للعمل معهم، ومن بينهم البروفيسور توماس ستارزي، الرائد الأول في زرع الكلى. وبعدها عمل مع الجراح العالمي ديفيد هيوم، أول طبيب زرع الكلى في أميركا. وتتالت إنجازاته وتراكمت خبراته، حيث قام في جامعة جورجيا بإنجاز أول عملية زراعة للكلى في حياته. ومن منجزاته تأسيسه لأول قسم لزراعة الاعضاء في جامعة «كالجري» الكندية الشهيرة.
حضر د. ابونا للكويت عام 1978 بناء على دعوة خاصة من أميرها، حيث افتتح قسما لجراحة وزرع الاعضاء، وكان الاول من نوعه في المنطقة. واستمر عمله في مستشفيات الكويت 12 عاما. وأثناء وجوده في إجازة مع اسرته في أميركا، وقع الغزو الصدامي الحقير، عام 1990، فقرر حينها عدم العودة.
إلا أنه أبدى، وفي مقابلة مع القبس، رغبته في القدوم للكويت للعمل فيها. وسعى البعض لترتيب وضع خاص به يليق بمكانته، وأفضاله على آلاف الكويتيين، من خلال منحه جنسية الدولة أو إقامة دائمة، تغنيه عن بهدلة المباحث والبصمات وعبء الشؤون وقرف الوقوف في الطوابير، إلى أن الطلب رفض لأن «أبونا» مسيحي! والقانون يمنع ذلك، والقانون سكت عندما نهب بعض الكبار مليارات الدولة.
لو كان «د. أبونا» كويتيا، لأعطى الكويت سمعة إيجابية. ولو كانت جنسية الدولة بمثل تلك «القدسية» لما اعترضنا، ولكنها منحت للقلة القليلة التي تسوى، ومع الأسف، للكثرة الغالبة التي لا تسوى!
ملاحظة:
بعض معلومات هذا المقال تعود لمقابلة أجراها الزميل نشأت دمان، قبل 3 سنوات، مع د. ابونا، ونشرت في موقع «القوش نت» الإلكتروني.
أحمد الصراف