ختام مداخلة أبونا
هذا هو الجزء الأخير من رد الأب البروفيسور يوسف مونس على مقالنا: ارحلوا أيها المسيحيون من أوطاننا! مع بعض التصرف لجعله أكثر قبولا للنشر، ضمن المساحة المتوفرة.
***
أشكرك يا سيدي احمد على كلمتك، فقد كفيت ووفيت. أعرف أن هؤلاء هم أجدادي وآبائي الذين اعطوني مجداً وفخراً، وهم من رسم هويتي وشخصيتي، أنا ابن العيش المشترك، كينونتي مفتوحة على حب الآخر واحترام اختلاف.
هنا سنبقى يا سيدي نقرع أجراسنا ونصلي! لا «ذمية» عندنا ولا «شروط عمرية». هنا في الوعر والجبال، في الثلج والصخر والبرد نقرع للشرق أجراس الحرية والعقل والخير والحب والعدل والمساواة والفكر والجمال، ونصلي بالسريانية واليونانية والأرمنية والعربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية. وأينما ذهبنا ورحلنا لن يذهب أو يرحل الوطن منا، فهو مغروز في القلب واللحم والدم والعظام. ونحن لسنا كالحية التي تترك جلدها للنسيان، فإن نزع عنا ماضينا نزع لحمنا وعظمنا ودمنا، ونحن نصلي لنا ولكم، ونقول اللهم اجعل حظنا مع الضحايا وليس مع الجلادين.
لقد قمنا بجميع الترجمات إلى اللغة العربية، من الأدب والفكر العالمي، وصنعنا النهضة العربية، وتحدينا راسين وموليير وكورناي والأدب المهجري، و«لدغنا» بحرف الراء r وكتبنا «الجبل الملهم» مع شارل قرم باللغة الفرنسية، وقدمنا مسرحاً رائعاً مع جورج شحاده، وأدباً رفيعاً تاريخياً وقصصاً مع أمين معلوف، ودخلنا الأكاديمية الفرنسية، أو مجمع الخالدين. ورسوم ومنحوتات وموسيقى فنانينا وصلت إلى جميع عواصم وحواضر العالم ومتاحفها.
هنا زرعنا أرضنا وحقولنا وحصدنا غلالنا وانشدنا صلواتنا، واقمنا طقوس الموت والحياة. هنا كان التراب يحمل رائحة عرق جباهنا وعطر دماء شهدائنا، وعشنا معكم، بالرغم من الجراح، بالمحبة والإخاء. وكنا اقرب الناس اليكم كما يقول القرآن الكريم.
كيف اصابتكم «صيبة العين» و«ضيق صدر»، كما أصابت الإسرائيليين، فاعتقدوا أنهم هم شعب الله المختار وليس البشرية بأسرها هي شعب الله المختار، وأن الارض أرضهم، وظلموا الفلسطينيين ودنسوا القدس والأرض المقدسة فلسطين ولبنان.
تخجل انسانيتي يا سيدي أحمد، واعتقد أن إنسانيتكم تخجل وترفض أيضاً هذه الأشكال المنكوشة، وهذه الصورة عن الإسلام التي يقدمها اليوم بعض المسلمين، وينسون أن المسلم «هو من سلم الناس من لسانه ويده»… وأن الإسلام أتى «رحمة للعالمين»… وليس توحشاً ضد حقوق الإنسان ولا اخلاقية في اغتصاب النساء وبيعهن سبايا… ناسياً ان كرامة المرأة ليست منّة من الرجال بل هبة من عنده.
أحمد الصراف