السلفية الميونخية
تأسست في أوائل الثمانينات جمعية إحياء التراث كواجهة سياسية للسلف، ولمنافسة جمعية الإصلاح، الإخوانية.
ركزت الإحياء جهودها، حسب ادعائها، على الدعوة إلى كتاب الله وسُنّة رسوله ومنهج السلف، وعلى التعاون على البر والتقوى، ونشر الخير والفضيلة، ونشر كتب السلف، والتحذير من البدع والمحدَثات، واعتبرت نفسها امتدادا للنهج السلفي السعودي، وهي بالتالي ملزمة بفتاوى ابن باز وابن عثيمين، إضافة إلى ما يصدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة.
ووفق رأي عبدالرحمن عبدالخالق، الأب الروحي للتراث، الذي حصل على الجنسية الكويتية لـ«خدماته الجليلة»، فإن الجمعية تركز على مبادئ محددة تتعلق جميعها بالأفكار الدينية، الأبعد عن الدنيوية. ولكن مع الوقت تغيرت أشياء كثيرة في الجمعية، مع السماح للمنتمين لها بالدخول في السياسة، لبعضهم والتمرغ في صفقاتها، وما يعنيه ذلك من تنازلات وتسويات.
ورغم أن الأيديولوجية السلفية تتمحور في السعي لإقامة الدولة الإسلامية، وفق القنوات الدستورية، وما يعنيه ذلك من نبذ للعنف، فإن مواقفها المعلنة تنسجم وتتعاطف مع الحركات الإسلامية الراديكالية، التي تؤمن بالعنف.
ورغم كل ما شهدته الحركة من تغيرات «جذرية» لامست أهم أركانها، فإن موقفها من المرأة بقي دون تغيير؛ وإن لم يترددوا في الاستماتة على صوتها في أي انتخابات، وهذه هي الوصولية بعينها.
وبالتالي يمكن القول إن أهداف الحركة السلفية تتلخص في الدعوة لنشر الإسلام، والعودة بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها، وإبراز فضائل التراث الإسلامي. وهنا من حقنا التساؤل بالتالي عن علاقة كبار رجال التراث بالمشاركة في تأسيس «جامعة ميونخ التقنية» في الكويت؟
قد لا تكون هناك علاقة مباشرة، ولكن كيف يمكن فصل أهداف الحركة ومبادئها بمن يمثلها ويسعى إلى تحقيق أهدافها؟ وهل جلب التقنية الألمانية سيتم بغير حضور من يعرفها من ألمان، من رجال غير مسلمين ونساء غير محجبات؟
وهل هناك ضمان أن الخبرات الألمانية التي ستستقدم لإدارة هذه الجامعة لن يعملوا، وإن بصورة غير مباشرة، ضد أفكار ومبادئ الجمعية، بكل ما سيجلبونه معهم من ثقافات اجتماعية ودينية لا تتلاءم مع «عاداتنا وتقاليدنا»؟
وكيف يمكن الإقرار بفضل الغرب وتقدمه من خلال الاستعانة بهم لتعليم أبنائنا، ونسعى، أو على الأقل نقبل، بسبهم من على منابر مساجدنا؟ وما الذي سيكون عليه جواب السيد باقر وزملائه لو سألهم «مدير الجامعة الألماني» ان يشرحوا له التناقض في مواقفهم من فكرة الاستعانة بهم في منبر، ولعنهم على منبر آخر؟
أعتقد أن الأمر برمته سياسي. فعند المصالح التجارية الكبيرة تنزوي عادة المبادئ والمثل، فالمسألة في «الجمعية والجامعة» ما هي إلا «بزنس في بزنس»!
أحمد الصراف