الإنسان ابن بيئته
الإنسان ابن بيئته، مقولة معروفة، فاختلاف تصرفات البشر وأشكالهم وألوانهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم يتحدد ببيئتهم. وبسبب فقر البيئة، لم يتقن قدامى العرب غير فن حضاري واحد، ورسخ تاليا دينيا. فلم يعرف عنهم وغيرهم من سكان الصحراء الرحل إتقانهم لفنون النحت أو الرسم أو الموسيقى أو النسج، وغير ذلك من حرف وفنون، ليس فقط بسبب فقر البيئة بما تتطلبه الكثير من الفنون والحرف من مواد، بل ولأن هذه الصناعات والفنون تتطلب الاستقرار، فحياة الترحال الدائمة تجعل من الصعب بناء شيء.
وفي مفارقة تاريخية لا أعرف سببها، اختلف بدو الصحاري العربية، عن غيرهم من البدو ببروزهم في صياغة الشعر، وفي روعة إلقائه! فالشعر فن لا يحتاج الى مواد تلوين ولا قماش رسم ولا لأدوات نحت، بل فقط لموهبة وذاكرة.
وبسبب حالة الترحال الدائمة التي يعيشها ابن الصحراء، إن بحثا عن الماء والكلأ، او هربا من غزو محتمل، إضافة لنقص مواد الكتابة، وصعوبة الاحتفاظ بها، فقد اتسمت حيات البدو بالمشافهة في التعامل، فلا ورقة ولا قلم ولا مكان لحفظ ما يتم تدوينه، وبالتالي كان الزواج مثلا مشافهة. ولو نظرنا للنصوص الدينية وجدنا أنها لم تُكتب إلا بعد عقود عدة، ومنها ما دوّن بعد قرون.
وبالتالي كان من الطبيعي الاختلاف في صحة أو حقيقة الكثير في المسلّمات والتصرفات والمعتقدات في حياتنا.
يقول الزميل عبدالله خلف في مقال نشر في القبس إن من الغريب القول بعدم جواز صيام عاشوراء. وأورد أسماء عدة مراجع فقهية تقول بصوم يوم عاشوراء، فالحزن مرادف للصيام، والفرح ملازم لتناول أفضل الطعام. وبالتالي فإن «عادة» إقامة الولائم في عاشوراء جديدة، وقد يكون وراءها رجال دين بسطاء سبق أن قدموا من الأرياف.
ولكن ربما لدى الجهات التي لا تتفق معه مراجعها ونصوصها، ولكن بسبب الطبيعة الشفهية للفكر الديني، وغياب أي مراجع تعود للعهد الإسلامي الأول، فإن ذلك يجعل من الصعوبة البت في مدى صحة أي القولين.
وسبق أن كتبنا أن فكرة الحسينيات فكرة جديدة لا يعود عمرها لأكثر من 200 سنة.
ويقول المستشار المصري أحمد عبده ماهر، اعتمادا على أكثر المصادر ثقة أنه ليس هناك أي مخطوطة لأي كتاب، سوى القرآن، يعود تاريخها للقرنين الأول والثاني. ويستثنى من ذلك مخطوطة كتاب سيبويه. فالبخاري مثلا توفي عام 256 هجرية وتوجد للكتاب الذي يحمل اسمه ثلاث مخطوطات، أقدمها يعود لعام 151 هجرية. وليس لدينا اي دليل على أن ما بين ايدينا مستنسخ من الأصل المكتوب بيد البخاري، فالأصل غير موجود.
كما لا توجد مخطوطة بخط يد الإمام مسلم عن صحيحه، وما هو موجود كتب بعد وفاته بـ107 سنوات.
أحمد الصراف