ميلاني وهويدا
يتساءل الباحث والمفكر الإيراني، الأميركي، عباس ميلاني abbas milani في كتابه عن «أمير عباس هويدا»، أكثر شخصية مثيرة للاهتمام في التاريخ السياسي الإيراني الحديث، وخاصة في مرحلة ما قبل سقوط آخر ملوك إيران، يتساءل، عن الذي ضيع إيران؟ كيف ولماذا وجدت دولة لم تكن يوما اكثر غنى، ولا أكثر تعليما وثقافة، ولا أكثر ليبرالية، كيف وجدت نفسها فجأة في خضم ثورة دينية أصولية عارمة؟
ويرد قائلا إن الجواب يمكن أن نجده من خلال دراسة شخصية هويدا، الذي لقى حتفه بشكل مأساوي، بالرغم من اعتباره أعظم سياسي إيراني ظهر في القرن العشرين، ورئيس وزراء لأطول فترة، والشخصية المركزية في الصراع بين تحديث وانفتاح إيران، أو ابقائها ضمن شرنقتها الفارسية، أو بين علمانية الدولة وبين تحويلها لدولة دينية.
يقول ميلاني، الذي سبق أن سجن في عهد الشاه، وغادر إيران بعد الثورة ببضع سنوات، والذي يعمل استاذا للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد الأميركية المعروفة، يقول في كتابة القيم، الذي فاز بجوائز عدة، إن هويدا ولد عام 1919 لأسرة من الطبقة المتوسطة وذات تاريخ ارستقراطي، وتلقى تعليمه في بيروت ولندن وبروكسل، قبل أن يلتحق بشركة النفط الإيرانية عام 1956، ومن ثم يختاره الشاه عام 1965 رئيسا للوزراء. ويقول إنه بالرغم من ولائه للعرش، وإخلاصه للشاه على مدى 13 عاما، فإن ذلك لم يمنع من زجه في السجن، في محاولة لامتصاص غضب الثوار، ولكن قرار الشاه، في الاقتصاص من هويدا، لامتصاص نقمة الشعب، جاء، كبقية قرارته، متأخرا جدا.
نجحت ثورة الخميني، وسقط الشاه، وفر جميع أعوانه وبطانته للخارج، ولكن وحده من الكبار، رفض هويدا مغادرة إيران، وفضل تسليم نفسه طوعا للسلطات، متوقعا محاكمة عادلة، ولكنه لم يجد بانتظاره إلا حبل المشنقة.
يتضمن كتاب «لغز هويدا» او بعنوانه الآخر «ابو الهول» تفصيلا قيما لسيرة شخصية كارزمية، عاشت طفولة جميلة وتلقت تعليما راقيا، فقد كان هويدا يتحدث بطلاقة عدة لغات حية، وكانت شخصية جذابة ومحبوبة في محيطه.
كما يتطرق كتاب ميلاني للتطورات الاجتماعية في إيران للفترة من 1918 وحتى 1978، والعلاقة الخاصة التي كانت تربط إيران، خلال تلك الفترة، بالولايات المتحدة.
وقد استعان المؤلف في كتابه بمراجع عديدة وبمقابلة أكثر من مئة من أفراد اسرة هويدا واصدقائه. كما استعان بمراسلات هويدا ومذكراته الشخصية، واستمع مطولا لاشرطة تسجيل وقائع محاكمته، وما نتج عنها من حكم سريع بإعدامه.
كتاب ميلاني جدير بالاهتمام، ويستحق قيام جهة ما بترجمته إلى العربية، فهو يتطرق لمرحلة مهمة من تاريخ إيران، وإلى الأحداث التي أدت الى قيام الثورة، وسقوط الشاه السريع.
أحمد الصراف