الشريعة أم الأخلاق؟!


ضحك صديق وسخر قارئ، واعترض ثالث على اقتراحي بتسمية كلية الشريعة بكلية الأخلاق. 

والحقيقة أن المسلمين (ومنهم أهل الكويت)، عاشوا لأكثر من الف عام من دون مدارس ابتدائية، متوسطة، ثانوية أو كليات شريعة، ومع هذا لم يؤثر ذلك في استمرار الدين. والحقيقة الأخرى أن خريجي الشريعة لم يعملوا، كما هو مفترض، في الوظائف الدينية التي تناسب تخصصهم. فغالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، التحقوا بالشريعة ليتسنى لهم، في الغالب، الاستعانة بواسطات بعض النواب والشيوخ والعمل في سلك تحقيقات الداخلية او في المحاماة، وهذا ما حدث! وقد ساهمت القوى الدينية المؤثرة في تحقيق رغبة هؤلاء، على حساب كفاءة التحقيقات والمحاماة. وبالتالي لم يعمل حتى %10 من خريجي الشريعة في مجال تخصصهم!

***

لو قمنا برمي محفظة في أحد أكثر أحياء الكويت التزاما، ولو ظاهريا، بالتدين، قياسا بعدد دور العبادة، ونسبة مرتاديها، فما نسبة من سيقومون بإبلاغ مخفر المنطقة بأنهم وجدوها؟ لا أعرف النسبة بدقة، ولكنها حتما ستكون ضئيلة. ولو قمنا بإجراء التجربة نفسها في دولة كاليابان، التي لا يعرف عن أهلها تدينهم اصلا، وقمنا بتصوير العملية بطريقة سرية، لوجدنا أن نسبة عالية جدا ستقوم بإبلاغ السلطات بالأمر.

***

الأخلاق سلوك لا يمكن تعلمه بالتلقين فقط، بل بضرب المثل وبوجود القدوة في المجتمع والأسرة والمدرسة. ففي لعبة الكراسي الموسيقية مثلا يعطى المشاركون عددا من الكراسي يقل عن عددهم بواحد. ويطلب منهم الدوران حولها، مع الموسيقى، وأن يقوم كل مشارك بالجلوس على أقرب كرسي، بمجرد توقف الموسيقى، ومن لا يحصل على مقعد يخرج من السباق وهكذا، إلى أن يتبقى واحد، فيفوز بالجائزة. وهنا تعتمد اللعبة على حرمان الآخرين من الفوز، واستخدام الحيلة والخداع وحتى القوة العضلية لإزاحة المنافسين.

أما في اليابان، فإن اللعبة نفسها تؤدى بطريقة مختلفة، حيث يقال للأطفال انهم سيحرمون جميعا من جوائزهم، ان توقفت الموسيقى وهناك مشترك/طفل ليس لديه كرسي يجلس عليه، وبالتالي نجدهم يبذلون الجهد لكي يجلسوا جميعا على كراسي أقل من عددهم، وهكذا يخلق فيهم روح العمل الجماعي، والتعاون، وهذه هي الأخلاق!

ويقال ان احد سياسيي ماليزيا قام في حفل بربط بالونات بأقدام مجموعة من الرجال، وطلب من كل واحد تفجير بالون الآخر، ومن ينجح في إبقاء بالونه سليما فسيحصل على جائزة مالية قيمة. وما ان بدأت معركة «تفجير البالونات»، حتى تدخل المسؤول وأوقف اللعبة وقال لهم: كان بإمكانكم الاتفاق بينكم، والاحتفاظ ببالوناتكم، واقتسام قيمة الجائزة بينكم، بدلا من كل هذا التطاحن والتدافع!

نعم، نحن بحاجة الى الأخلاق وليس التظاهر بالتدين، لأن ذلك لم يزد العالم خلقا، وغيابه لم يزدهم إجراما.


أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top