قَوم تعاونوا..!
يقول الصديق جعفر بهبهاني إن مجموعة شركة باري ويملر barry-wehmiller الأميركية المتخصصة في عدة صناعات، والتي تتوافر منتجاتها في العديد من دول العالم، والتي تأسست قبل 130 عاماً، ويعمل بها حالياً أكثر من 7000 موظف، ويديرها روبيرت شابمان robert h. chapman، واجهت خلال الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008 مشكلة كبيرة، بعد إلغاء ما يقارب %30 من أوامر الشراء منها في يوم واحد، مما شكّل كارثة مالية للشركة. ومن أجل ضمان استمرارية عملها، قررت إدارتها تسريح عدد من كبار أصحاب الرواتب، لموازنة التدفقات النقدية مع المصروفات. وكان لا بد من اتخاذ ذلك القرار المؤلم، في وضع صعب لم تعرفه من قبل. ولكن رئيس الشركة كان الوحيد الذي اعترض على القرار، واقترح بدلاً منه برنامجاً يساعد في الخروج من الأزمة. وكانت فكرة البرنامج بسيطة بقدر ما كانت عبقرية، حيث تطلبت، من أكبر موظف في الشركة إلى أقل موظفيها أجراً، أخذ إجازة إلزامية لا تقل عن أربعة أسابيع في السنة، ومن دون راتب، وفي أي وقت يناسب الموظف، ومن دون التقيد بأخذها دفعة واحدة أو على فترات متقطعة. وتمثلت العبقرية في الرسالة التي أوصل فيها الرئيس الخبر المؤلم لموظفي الشركة، بحيث تم تقبله من الجميع من دون اعتراض، حيث قال إنه من الأفضل أن نتحمل جميعاً قدراً بسيطاً من المعاناة من أن يعاني البعض منا قدراً كبيراً منها، وهكذا نتجنب فقد أي موظف في الشركة لمصدر رزقه.
كان للقرار تأثيره الإيجابي على الجميع، حيث شعروا بامان، وبأن لهم قيمة، وهذا دفعهم إلى التكاتف والتعاون في ما بينهم، وبمساعدة بعضهم البعض، بحيث يقوم الأكثر قدرة مادياً بأخذ إجازة من غير راتب أطول من الذي لا تسمح إمكاناته بذلك، هكذا.
وخلال فترة بسيطة تبين للشركة أن هدف التوفير لم يتحقق فقط، بل تضاعف، مما مكّنها من الخروج من أزمتها المالية من دون التضحية بموظف واحد. كما بيّنت البيانات المالية في نهاية السنة أن الشركة حققت أرباحاً أكبر من المتوقع بسبب روح العمل الإيجابية التي سادت جميع قطاعاتها.
وهذا، يا سمو رئيس الوزراء، هو الفرق بين المدير والقائد. فالأول يرى أرقاماً، وبناء عليها يريد من البعض أن يعانوا، بينما الثاني يرى بشراً يستحقون الثقة بهم وبقدراتهم، وبأن هناك حاجة لأن نتضامن جميعاً للخروج من مأزقنا المالي والأخلاقي. وبالتالي، فإن كل ما يقال عن سلامة وضعنا لا معنى له، فنحن حقاً في أزمة. والتضامن المطلوب، وما سيلحقه من وفر، لا يمكن أن يتحقق من دون أن نشارك جميعاً فيه، ونتخلى عن جزء من رواتبنا ومزايانا، في سبيل وطن طالما أظلنا بظله. فهل أنتم، ومجلس الوزراء، وكبار موظفي الدولة، على استعداد لأن تبدأوا بأنفسكم، وتضحوا بجزء من رواتبكم ومزاياكم؟!
***
كما نتمنى على رئيس مجلس الأمة المبادرة، وبقية أعضاء المجلس، بضرب المثل للحكومة والشعب، والتخلي عن بعض مكافآتهم ومزاياهم الكبيرة.
أحمد الصراف