أوباما.. الكبير
ربما تكون المرة الأولى في تاريخ العلاقات العربية الاميركية التي يقوم فيها رئيس أميركي بالإفصاح عن مكنونات نفسه، قبل تركه سدة الرئاسة، فافصح واستفاض في الإعلان عن مشاعره.
من قراءتي المتواضعة للخطاب، استطيع القول انه ركز على أمور جوهرية من المهم استيعابها. فإسرائيل، كما رددنا لسبعة عقود، ليست مسؤولة عن مآسينا ومشاكلها، كما قال، ولكنها حتما اضافت لها. كما أن أميركا قد سئمت منا ومن خلافاتنا، وانها غير راغبة مستقبلا في زيادة تدخلها في شؤوننا الداخلية، وخلافات الرؤساء الشخصية. وقال إن أميركا تساهلت كثيرا مع صديقاتها «العربية والمسلمة»، وغضت الطرف عن الكثير من أخطاء دولنا، لكي لا تخرب «العلاقات التاريخية» بين الطرفين، وان أميركا كانت مجبرة، لفترة طويلة، على اعتبار دول كباكستان، والخليج، اصدقاء وحلفاء، وتبين انها تمثل عبئا عليها.
كما حاول أن يقول أن رفضه ضرب النظام السوري عام 2013، بعد ثبوت استخدام النظام لأسلحة محرمة ضد شعبه، جاء انسجاما مع مصالح أميركا، ومن منطلق رفضه السقوط في المستنقع السوري، رافضا فعل ذلك لإرضائنا، خصوصا ان القرار جاء على خلفية نجاحه في إخراج أميركا من مستنقع أفغانستان والعراق.
كما شدد أوباما على حقيقة أن حروب المنطقة لا يمكن أن تنتهي بغير تفاهم السعودية وإيران، والتوصل لنوع من السلام بينهما. وأن القبلية هي أهم المخاطر التي تواجه المنطقة وتفتتها.
ويقول، مشيرا لأوضاع غالبية الدول العربية، ان هناك دولاً فشلت في توفير الرخاء والفرص لشعوبها، وهناك ايديولوجيا عنيفة ومتطرفة تقوم دول وجماعات بالسعي بقوة لنشرها. كما أن هناك دولاً فيها القليل جداً من العادات المدنية، وبالتالي حين تبدأ الأنظمة الشمولية بالتداعي، فإن الحلول تكون عادة باللجوء الى الطائفية.
كما أكد حقيقة دور الدول الخليجية في تحويل مجتمعات مسالمة كثيرة الى مجتمعات متطرفه، وذلك بما ضخته، ولا تزال، من أموال دعوية ساهمت في إنشاء «مئات آلاف» المدارس الدينية التي قلبت كيان تلك الدول، كأندونيسيا وباكستان، وجعلتها متطرفة أو زادت من تطرفها. وسبق أن كتبنا عشرات المقالات، على مدى أكثر من عشرين عاما، عن خطورة ما يصرف على المدارس الدينية، وكيف أنها حولت مجتمعات مسالمة عدة لمتطرفة دينيا، فطالبان وبوكو حرام وشباب الصومال وغيرها هي من مخرجات هذه المدارس.
وقال اوباما ان الدول التي تقمع نصف شعوبها، لا يمكنها أن تتصرّف بشكل جيّد في العالم الحديث، في إشارة لموقف مجتمعات كثيرة من حقوق الإنسان، والمرأة بالذات، فيها.
أتفق شخصيا مع كل ما ذكره الرئيس اوباما، وأكن الاحترام له، فهو يختلف عن غالبية الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، كرئيس مثقف وخطيب مفوه، وسبق أن كان محاميا ونائبا وأستاذا جامعيا. وبالتالي أرثي لحال غالبية الردود على خطابه. واختم بمقولة شهيرة لنجيب محفوظ:
«أتحدى إسرائيل «وأضيف لها أميركا» أن تفعل بنا ما فعلناه بأنفسنا!».
ملاحظة: سنخضع ثانية لأنامل الاستشارية «صبرية الصالح» لإزالة الكتراكت من العين الثانية، وستستمر مقالاتنا، مع توقفنا عن القراءة والكتابة مؤقتا!
أحمد الصراف