العقل والدين


أعلنت حركة طالبان باكستان، المجرمة، تبنيها الاعتداء الانتحاري الذي أوقع 72 قتيلا، بينهم 29 طفلا بريئا، في منتزه مكتظ في لاهور، في احتفال بعيد الفصح. وقال احسان الله احسان، المتحدث باسمهم، انهم نفذوا الهجوم بقصد استهداف مسيحيين.

***

اتمنى أن أجمع مئات رجال الدين لدينا، ومن مختلف الطوائف، وخاصة من الذين يتعاطفون، وهم الغالبية، مع مثل هذه الاعتداءات التي تقع من فرقة على المناوئة لها، والذين يقومون بتجنيد الشباب وإرسالهم في مهمات انتحارية، أو الذين يزينون لغيرهم حلاوة الموت، أو من الإخوان المسلمين الذين يضمنون قسم الولاء لزعمائهم، أو من يزرعون كراهية الآخر في نفوس أتباعهم، أريد ان أسالهم جميعا عن الهدف من كل هذا القتل والتدمير البشري والنفسي، الذي يقترفه أتباعهم بحق المسلمين وغيرهم، كل يوم تقريبا؟ هل من رسالة يودون توصيلها، ولم تصل على الرغم من مئات العمليات الانتحارية التي سبقتها؟ هل القتل هو لمجرد القتل، أم لتصفية الخصوم، وإنهاء وجود الكفرة؟ وهل من الممكن إسكات اصوات الآخرين وتحويل الناس عن دينهم ومذهبهم بمجرد قتل بضع مئات أو حتى عشرات الآلاف منهم؟

لقد قتل المسلمون الملايين من مناوئيهم، على مدى التاريخ، ولم يستطيعوا إفناء أي جماعة بشكل كامل، وبقي «كل» أعدائهم، من مسلمين ومن اتباع الديانات الأخرى، إضافة للكفرة والزنادقة والملاحدة وغيرهم حتى يومنا هذا. كما سبقهم المسيحيون في اقتراف نفس ذلك الكم من الإجرام بحق غيرهم، وفعل بعضهم ببعض الأعاجيب، وفي النهاية فشلت كل طائفة في تصفية غيرها، او كسبها لجانبها، وبقي الجميع على عقيدته ومذهبه من دون تغيير تقريبا، وهكذا مع الأمم الأخرى.

إن هذا القتل والدمار، ونشر كل هذا الخوف والرعب لن يجدي شيئا في نهاية الأمر، ولن يخلف غير الدمار المضاد، والخراب علينا قبل غيرنا، لأننا الحلقة الأكثر ضعفا، وسيدفع ملايين المسلمين، قبل غيرهم، ثمن ما يقترفه السفهاء منهم. ولو استطاع أي من شيوخ الدين، الذين كونوا ثرواتهم الهائلة، وكدسوا الشحوم الحرام على اكتافهم، من وراء خطبهم وشحنهم الطائفي لأتباعهم، أي جدوى من وراء كل هذا القتل والتدمير، فإنني سأكون اول المتبرعين لهم، وأقوى داعمي جهودهم.

فكفاكم دفعا للشباب للموت في سبيل أوهام لا يمكن أن تتحقق. كفاكم شحنا لنفوسهم وتخريبا لعقولهم. توقفوا عن إرسال فلذات أكباد الأمهات للموت في ديار الغربة من دون هدف معلوم، فليس هناك من منتصر، فضحايا الإرهاب خاسرون، والإرهابي الملعون خاسر، ونحن خاسرون، والإنسانية جمعاء خاسرة، أفلا تعقلون؟ ألم يحن الوقت لكي تتخلى حكوماتنا عن سكوتها الذي طال قرونا، وتعلن صريح موقفها من معظم الخطباء والدعاة وما يلقى من خطب على المنابر، وما يدرس في مئات آلاف المدارس؟ لقد تعبا وأتعبنا العالم معنا بكل هذا الكم الهائل من الحقد، والرغبة في قتل الآخر من دون هدف واضح ولا معلوم. فالقتل لن يؤدي لغير القتل لتستمر الحلقة الجهنمية إلى ما لا نهاية!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top