معركة فاطمة وإسلام


يعتقد البعض أن مصر تتعرض لمخططات خبيثة تستهدف الاضرار بها وباقتصادها، ومن يقرأ تفاصيل حادث خطف الطائرة المصرية قبل أيام إلى قبرص، يساوره الشك في وقوف جهات خلف الحادث للإضرار بقطاع السياحة! والرد على ذلك أن ما لدى مصر من مشاكل اقتصادية مالية وسياسية ومعيشية تكفيها، وتغني أعداءها عن التفكير في التآمر عليها.

***

الآمال في «مصر ما بعد مبارك» كانت كبيرة، وبحجم حدث التخلص من دكتاتور حكم لأكثر من ثلاثين عاما بقبضة حديدية مغلفة بالخيش. ولكن وصول الإخوان المسلمين الى حكم مصر، من خلال «غزوة الصناديق»، حوّل الحلم الجميل لكابوس، فبدلا من دكتاتور واحد، جاء العشرات منهم، ومن الذين يعتقدون بأنهم ممثلو الله على الكرة الأرضية، وليس مصر فقط. وكان التخلص منهم بحكم المعجزة، فهؤلاء، بأجندتهم لم يكونوا فقط دكتاتوريين وتسلطيين بطبيعتهم، بل سرطانا يستحيل التخلص منه، متى ما ضرب بجذوره في الأرض.

تنفس العرب، وغالبية دول العالم، الصعداء بوصول الرئيس السيسي للحكم، وطرد الإخوان، وزجهم في السجون، وإزالة كابوس حكمهم المتخلف والدموي. وهنا راودنا الحلم ثانية في مصر جديدة، مصر حرة وعهد جديد، تكون متنفسا لما طال شوقنا لها، ولكن هنا أيضا كان عمر الحلم قصيرا، فسرعان ما تراجعت السلطة عن وعودها، وأرخت العنان للسلف، خصوم الإخوان الألداء، ليحكموا الساحة، فتبخرت الوعود التي بشر بها السيسي مواطنيه، في اجتماعه الشهير بعدد من المثقفين الذين كلفهم بـ «تصحيح مفاهيم الدين الإسلامي»، فكان من صدقه أوائل ضحايا دعوته، حيث زجت السلطات بالمفكر إسلام البحيري في السجن بسبب ما ذكره في برنامجه الإصلاحي. كما حكم على الكاتبة فاطمة ناعوت، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان، لـ «جريمتها» في انتقاد طريقة التضحية بكل ذلك الكم الكبير من أضحية العيد! وكانت ناعوت من الذين كلفهم الرئيس المصري، بـ «حركة التصحيح الدينية»، ولكنه «قطهم» على صخر. وأثبتت هذه الأحكام وغير ذلك من مضايقات وتشدد مع عدد من الإعلاميين، أن سطوة المؤسسة الدينية لا تزال قوية، والبعض يقبض ثمن وقوفه مع النظام.

إن مصر، أو أي دولة، ليست بآثارها وسواحلها وفنادقها وأنهارها ومصحاتها ومكتباتها، ولا حتى برجالها ونسائها، بل بما هو متاح لهم من حريات رأي وقول وتنقل، وما يساهمون به، إنسانيا، من إبداع مسرحي وغنائي وتراثي وموسيقي وقصصي وبحثي، وبما يمتلكونه من فكر خلاق ومن رؤية صائبة ومن كرامة.

لقد رأينا كيف عانت شعوب عدة من الظلم والتخلف والفساد، تحت حكم الشيوعية والماوية والتشاوشيسكية والنازية والفاشية والأنظمة الدينية وغيرها، التي منعت كل أنواع الحرية عن شعوبها، والتي استعملت السوط، وخنقت الصوت، فقضت على كل إبداع، فتخلف فيها كل شيء وفسد فيها كل مرفق ومسؤول.

إن الإنسان يحيا بالحرية، التي لا معنى للحياة بغيرها، فهل يفهم من يعنيهم الأمر ذلك؟


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top